ثقافة الإستشهار سؤال المرحلة الذي نطرحه اليوم في خضم معركة دخول الكرة المغربية عهد الإحتراف الجدي والواقعي، هو كيف يمكن للأندية المتضررة ماديا أن تنال حظها من الإستشهار والتمويل الذاتي من القطاع الخاص بغض النظر عن العلاقة المرتبطة بالمؤسسات العمومية وشبه العمومية التي تزكي فعلها الداعم للأندية؟ وكيف نضع البطولة الإحترافية الجديدة في قالبها المتقدم ومنتوجها الخالص حتى يكون للمستشهر دوره الإختياري لما هو أفضل هوية وإقناعًا وحصيلة؟ وكيف يبنى الإستشهار في الزاوية الأخرى على أكثاف المسيرين الأغنياء أو الملياديرات كما هو سائد في أغلب الأندية العالمية؟ صحيح أن الفارق متباعد في ميزانيات الأندية الوطنية حاليا ولو أنه فارق مهول لا يقارن مع أندية الأهلي المصري والترجي التونسي مثلا بما لا يقل عن 20 مليار، بينما لا يصل الوداد أو الرجاء إلى ربع ذات الحصيلة المالية حتى باستشهاراتها الضئيلة، وصحيح أيضا أن اقتصاد النادي مبني على ملف ضخم في تدبير المنتوج بمداخليه ومصاريفه المعتادة كما كان سائدا في قراءة التقارير المالية لأي نادي، لكن اقتصاد النادي مبني من جانب آخر على عقلية المسير في استشهار الجودة التي يريدها بالمال والنتيجة، والجودة عادة ما يقبلها المستشهر المبحوث عنه في القطاع الخاص بضمانات مألوفة، وهي الحالة الفريدة التي يراها رئيس أي فريق جزءا من عملية القفز على الحواجز الروتينية إلى ما هو أعلى من تلك الحواجز ليكون بالفعل رئيسا نموذجيا بفكر استثماري لمشروع الجودة، وليس كل رؤساء الأندية عمالقة في الفكر الحداثي لإنجاح مشروع كرة النادي والمدينة، وليسوا أغنياء بالمعنى العام للكلمة، كما ليست لهم علاقات قوية أو نفوذ قوي للوصول إلى القطاع الخاص أيا كانت إختصاصاته لجذب مودته واستقطابه كعنصر ضامن وداعم للجودة المطلوبة في سوق الكرة، وسوق أداء النادي عامة. والكرة اليوم تتطلب اليوم رؤساء مقاولاتيين وضالعين في التدبير الإقتصادي للأندية حتى ولو كانوا غير مؤهلين عاطفيا بالكرة، وليس كل من يقول أن الرئيس يجب أن يكون رياضيا هو صادق في الرأي، لأن من يدبر النادي بنجاح المال والأعمال والربح المضمون والمضاعف للميزانية السنوية وبدون ديون، سيكون مؤهلا لحب النادي والإستثمار فيه حتى بالمواقع التجارية كأفضل منتوج إضافي لرفع المنتوج المالي.. وليس الرئيس وحده هو من يكون غنيا بالمال والعقل وحسن التدبير، بل معه فريق عمل محترف باختصاصات معينة يباشر ذات النجاح المشترك للإشهار والإستشهار معا.. ويصعب جدا أن نجد هذه المقاربة الذاتية بالأندية، لأنه ليس لأي فريق رجل مليادير أو رئيس محترف وكبير وذو علاقات قوية مع القطاع العام والخاص معا.. وليس للأندية أصلا متاع بشري قوي بكل الإختصاصات التي يسيِّر له ذات النجاح الذي يأمله الجمهور المغربي مثلما هو مأسور اليوم بالكرة الراقية لأفضل الأندية العالمية في التسويق والترويج والمنتوج والإقتصاد وشهرة نجومه وألقابه.. الإستشهار ليس وحدة عملة اقتصادية للنادي من طرف مؤسسة معينة، بل هو عملة تنافسية للمؤسسات العملاقة التي تبحث في مزادها العلني عن صفقة العمر والبقاء بالنادي كما هو البارصا والريال والمان.. وليست المؤسسة الخاصة الوحيدة هي التي ستغذي الأندية الوطنية، بل مجموعة من المستشهرين إن هم أرادوا فعلاً دخول سوق الكرة بقوة لدعم الإحتراف، وهم من يؤسسوا ميثاقًا جديدًا لتنافسية إضافية في اقتصاد السوق، ومن يريد البحث عن الإستثمار، فليذهب إلى الكرة كجزء لا يتجزأ من الإشهار الحقيقي مرئيا ودوليا وعالميا، وربما نشط منتوجه أكثر فأكثر، لكن، على المسيرين الأقوياء أن يضعوا منتوجهم كمشروع حداثي ضامن للجودة من القاعدة إلى القمة داخل النادي وكمؤسسة قوية تحترم الإختصاص والإحتراف الأسمى، وعلى المسيرين أن يتلاقحوا مع المستشهرين بانتماءاتهم الخاصة والعامة، في سبيل إقلاع حقيقي للكرة مبني على تدقيق كل الحسابات لا كما هو سائد في عشوائية التقارير المالية لهواية الكرة، ولغموضها الكبير في تأكيد حقائق الأرقام.. وما نريده في صلب إقلاع الكرة المغربية نحو الإحتراف هو تحقيق أقل النجاحات في الموسم الأول وبتنافسية كبيرة لاستقطاب المستشهرين بأهلية المسير المحترف حتى ولو لم يكن له نفوذ قوي، بل عمله وقوته الحضورية في السوق الكروية هي من تشفع له ربح الصفقة الأولية لرفع قدرات المنتوج نحو مشروع أكثر قوة في اقتصادياته المستقبلية.