تبييض الأقوال هناك فرق كبير بين تبييض الأموال وتبييض الأقوال، لكن ما يجمع بينهما هو الرغبة في الحصول على شهادة حسن السيرة والسلوك وتحصين صحيفة السوابق من كل خدش محتمل. تبييض وطلاء الأقوال موهبة لا تتاح للجميع، لأن الطلاء فيه وفيه بدءا من «التجيير» وانتهاء بآخر تقليعات الديكور. في زمن الحديث عن تبييض الأقوال، يفاجأ معشر الكرة بهروب كثير من المدربين نحو ضفة الصمت، إيمانا منهم بالقول المأثور «الصمت حكمة»، فيبتلعون ألسنتهم ويقنعوننا بخطر الكلام مع السائق، وتكبر المعضلة حين تصاب ودادية المدربين بالخرس وتواجه المواقف الصعبة بالحوقلة. عندما غادر امحمد فاخر الرجاء البيضاوي رافضا العودة إلى بيت الطاعة، لم يعلن للرأي العام الرجاوي أسباب الفرار من ساحة المعركة، كما لم يكلف مسؤولو الرجاء أنفسهم عناء تنظيم ندوة صحفية لإخبار الشعب الرجاوي بما حصل في معسكر أكادير، وكأن الندوات الصحفية مستحبة خلال عقد القران مع المدربين ومحرمة في حالات الطلاق. حرض جمال فتحي علينا نحن معشر الصحافيين العلبة الصوتية لهاتفه النقال، فنهرتنا بلطف مرددة تسجيلا مستفزا يقول: «إتصالات المغرب ترحب بكم يتعذر الآن الإتصال بمخاطبكم المرجو إعادة النداء لاحقا».. صدقنا القول المبعث من السماعة وأعدنا المحاولة عبثا مرات ومرات، وتساءلنا عن جدوى الترحيب الصادر من الهاتف ما دام جمال فتحي يرفض التواصل معنا، وعن الغاية من دعوتنا لإعادة النداء لاحقا ما دام الرجل يرفض الحديث إلينا. بين فاخر وجمال قواسم مشتركة عديدة، فهما معا حملا قميص الرجاء ودربا فئاته الصغرى، وأشرفا على إدارته التقنية، قبل أن ينتشرا في أرض الله الواسعة، ويدربا الجيش والمنتخب الوطني ثم يعودا إلى قواعد الخضراء غانمين. لكن القاسم الأبرز بينهما هو لعبة الصمت، فحين يراودهم الحنين إلى الكلام من أجل تمرير خطابات على المقاس، لا يترددون في إعفاء العلبة الصوتية لهواتفهم من عادة «تصريف» المتصلين والعودة إلى جادة الإتصال. نفهم كصحافيين سر صمت المدربين حين يغادرون فرقهم بالإقالة، فهم يقدمون وعدا بكشف كل الحقائق مباشرة بعد تسوية أمورهم المالية ونيل مستحقات أخلفت موعدها، ولكن اللي في راس الجمل في راس الجمال، فالمسير وقبل أن يوقع شيكا على سواد وإبراء الذمة المالية، يشترط على المدرب مقاطعة الصحافة، وأحيانا يدعوه لوضع لسانه تحت الإقامة الجبرية، وألا يستعمله إلا لاختبار حاسة الذوق في زمن لم يعد فيه للكرة مذاق أو طعم. حين تتصل بمدرب في فترة عطالة، يستجيب هاتفه منذ الرنة الأولى، وما أن يصبح مدربا أو مشروع مدرب حتى يصدر قرارا بتحريض الصوت النسائي للعلبة الصوتية لطرد الفضوليين، ويستخدم رقما سريا لا يهتدي إليه إلا أقرب المقربين شريطة أداء القسم بعدم الكشف عن الهاتف المستتر. ودادية المدربين المغاربة في ورطة منذ الحادي عشر من شتنبر، ليس قلقا على ضحايا الإرهاب في الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل لأن هذه الذكرى الحزينة تزامنت مع الزلزال الذي ضرب الرجاء، والذي جعل جمال فتحي يقبل مساء تدريب فريقه وحين يستيقظ من نومه يعلن توبته، وكأنه قضى ليلة ليلاء في مواجهة كابوس لا تنفع معه علبة صوتية مستفزة. ماندوزا في ورطة حقيقية، فالعلبة الصوتية تحول دون إتصاله بالمدرب لمعرفة ما جرى في ليلة الحادي عشر من شتنبر، وموقفه كرئيس لودادية المدربين يفرض عليه صيانة حقوق الرجاء أمام مدربين لا يفتحون أفواههم إلا عند مناقشة المخصصات المالية. في زمن الإحتراف يسعى كثير من المدربين إلى تبييض الأقوال بالصمت تارة وبالهمس تارة أخرى أوبالآهات،، في أول شهر من الإحتراف توقف التعامل بعملة «ولد الفرقة»، وتبين أن جيوب المقاومة ما زالت تصر على البناء فوق الأنقاض، وأن لجنة الإنقاذ تصبح غير ذات جدوى إذا لم يتأكد فعلا غرق الفريق، وأن كثيرا من المدربين يوافقون على تدريب فرقهم بالفاتحة بدل جرة القلم التي قد تتحول إلى جرة خنجر.