الملياردير بلاتشي يملك إيلي بلاتشي ثروة مالية ضخمة جمعها من مساره كمدرب للعديد من الأندية العربية والرومانية، فالرجل شرب حليب التدريب من ثدي جمعية الحليب، وعمره آنذاك لا يتعدى 37 سنة، أي أنه كان أصغر من كثير من لاعبي الفريق الذي قاده إلى منصة التتويج محليا وعربيا. يصنف إيلي في عالم الإقتصاد برومانيا في المراتب الأولى لرجال المال والأعمال، وهو المدرب الوحيد الذي لا يملك فقط خططا لتحقيق الإنتصارات في ملاعب الكرة، بل له مناهج في مراكمة المال وجلب أرباح خيالية في كل المشاريع التي يراهن عليها، بعد أن اختار دخول عالم الإستثمار في ميدان العقار مستغلا الوضع السياسي لبلد حاول إصلاح ما أفسده زمن الديكتاتور تشاوشيسكو الذي حكم البلاد بالحديد والنار والرصاص. إقتحم إيلي عالم المقاولات مستفيدا من التسهيلات التي قدمها نظام ما بعد تشاو الذي قال له الشعب تشاو بالرصاص الحي، وليس بتلويحة اليد، وتمكن من تدبير الثروة التي غنمها خلال فترة تدريبه لأندية كبرى في الخليج العربي كالهلال والشباب والعين وكاظمة الكويتي، واستطاع أن ينجح في وضع الدولار المناسب في المشروع المناسب، لينال باستحقاق لقب الإمبراطور. وعلى الرغم من الثراء الذي يعيش الرجل على إيقاعه، إلا أن الحنين إلى الملاعب والصفارة يجذبانه بين الفينة والأخرى، فيوقف تردده على مكاتب الدراسات ويتحول إلى مدرب يبحث عن فرصة أخرى لجني أرباح تقاس بالنقط وليس بالعملات. مناسبة هذا الحديث، هو تواضع المدرب الروماني ومهنيته في التعامل مع الوقائع، كما هي لا كما يجب أن تكون، فخلال مقام الرجاء في نيجيريا لم يطالب المدرب بجناح في الفندق البسيط بساطة الحياة في مدينة أبا، وقال أريد سريرا وحماما، فأنا لست سائحا من هواة السفاري، شارك المدرب اللاعبين همومهم كان قريبا منهم يتقاسمهم الحلو والمر، وحين يتناول قهوة الصباح في المطعم لا يوقع فاتورة، بل يؤدي من ماله الخاص. حين توجه فريق الرجاء البيضاوي إلى ملعب «المدرسة المتعددة الإختصاصات»، فوجئ بقطعة أرض معشوشبة فيها كثير من الأوحال وقليل من اليابسة، لم يطالب بتغيير الملعب ورفع شكوى عاجلة إلى عيسى حياتو، بل دعا لاعبيه إلى التعايش من الوضع الجديد، وعندما أطلقت إدارة المؤسسة التعليمية موسيقى صاخبة شوهد وهو يرقص على إيقاعها، كي لا يرفع درجة الإحباط لدى اللاعبين. كلما جالست بلاتشي في بهو الفندق، تعلمت من الرجل دروس التواضع، وشرعت في نسج المقارنات بين مدربين يتعايشون مع الوضع الإفريقي، وآخرين يطالبون بتحويل المستحيل ممكنا. قبل سنوات تعاقد الرجاء البيضاوي مع المدرب الروماني مولدوفان، وبعد تجاوز فترة الذهاب أقبل المدرب، وسقط سقوط حائط برلين لأنه لم يمارس دله المدربين الأجانب، لم يفهم مولدوفان سر إقالته وهو الذي كان يتربع على عرش البطولة رفقة الرجاء بعيدا بثمان نقط عن أقرب منافس، قرار الإقالة اعتبر انتصارا للروماني بدون طعم، لأنها لا تمزج الفرجة بالفوز، فكان أغرب قرار إقالة في حق مدرب مستورد. ولحسنية أكادير حكاية مع الرومان، فقد تعاقد الفريق السوسي مع مولدوفان آخر، يدعى أوجين أوصل الفريق إلى نهائي كأس العرش لأول مرة في تاريخه، وقبل العودة إلى أكادير تلقى الرجل مكالمة تعفيه من الإستمرار غلى رأس الإدارة التقنية للحسنية. تذكرت المدرب الروماني جورج مارداريسكو الذي ترك بصماته على المنتخب المغربي حين قاده إلى الظفر بالكأس الإفريقية الوحيدة التي في حوزة الكرة المغربية، وكيف كان رجلا مسالما إلى حد السماح للكولونيل بلمجذوب باختيار التشكيلة والقيام بالتغييرات التي تفرضها كل مباراة. مات مارداريسكو، المدرب اللاجئ السياسي الخائف من بطش تشاوشيسكو، مات في صمت دون أن ترسل جامعة الكرة رسالة تعزية لأسرته عبر السفارة الرومانية أو جامعة الكرة في هذا البلد، ومات بلمجدوب رفيق دربه بسبب داء ضعف المناعة ضد التنكر والجحود. من مارداريسكو إلى بلاتشي ظل المغرب ملاذا لبعض المدربين الرومان، منهم من اعتبر مقامه مجرد تمرين قبل الإنتقال إلى الخليج، ومنهم من اعتبره استئناسا بالأجواء العربية قبل الإنتشار في أرض الله الواسعة، ومنهم من غادر المغرب لاعبا وتحول إلى مدرب كتيتا اللاعب السابق لجمعية الحليب والمغرب الفاسي، لكن أغلبهم رحل دون أن يلجأ إلى الفيفا أو يجرجر فريقه في غرف المنازعات.. ففي منطقة البلقان هناك مثل شعبي يقول: لا تعض الثدي الذي شربت منه حليبا، لذا يعرف بلاتشي كمية الحليب التي شربها من ثدي الأولمبيك البيضاوي، قبل أن يموت هذا الفريق وتزرع بعض أعضائه في جسم الرجاء في أكبر عملية زرع أعضاء في تاريخ الكرة المغربية. لكن أكبر المفارقات أن يدرب ملياردير فريقا يعاني أزمة مال لا أزمة رجال.