تزاحموا تراحموا ما أكثر «الصوحافيين عندما تعدهم لكنهم في الخبر قليل».. لم أستسغ حتى لا أقول لم أصدق الخبر والقصاصة التي تدوولت مؤخرا، إلا بعد أن استخلصتها من منبعها وهي وزارة الإتصال والتي جزمت يقينا أن عدد البطاقات التي تم سحبها أو إلغاؤها لصوحافيين وهميين فاقت 750 بطاقة هذه السنة. رقم مهول حقا يعكس كيف أصبح المجال مرتعا حتى للداخلين بصبابيطهم، وبمفهوم المخالفة نقول من كان يرخص لهؤلاء الدخلاء وهؤلاء الرفاق«للممارسة» آنفا؟ ومن كان يخول لهم حمل الصفة لمزاحمة المؤهلين بالشرعية والكفاءة؟ هذا مع الإفتراض جدلا أنه ضمن المحصيين المصرح بهم من يحملون على أكثر من وصف، من صحفي الإستنساخ لصحفي التخليل فالصحفي الحكواتي لغاية صحافي»النقر» وذلك وحده حكاية.. أي تلك العينة التي تصل لمقراتها متكاسلة حين تكون الشمس في كبد السماء لتنقر على الفأرة التي تقودها رأسا للعالم الإفتراضي التي تمنح لمحدودي المصدر فرصة «كوبي كولي» بالسلق الذي يرافق المعلومة ويفقدها الحلاوة والطعم مثل الأكلة البايتة. حسنا فعلت الجمعية المغربية للصحافة الرياضة ونظيرتها الرابطة وهما يهمان برص الصفوف، توحيد الرؤى ووضع مخططات للأفقين البعيد والقريب حتى وإن كانت المقاربات تتخذ عموديا عبر رأسي الجهازين والبطانة القريبة من سدة القرار، ولا ضير هنا ما دام التفويض يكفل الإنابة.. سياق الغربلة وتخليق الإطار والتوحد في ظرف مشوب بكثير من الإكراهات وبحساسية مفرطة، لا يمكن إلا تثمينه لأنه كفيل بتمييز الغث من السمين والزبد من الذي ينفع الناس، سيما وأن الزحام الذي تعيشه عدد من الملاعب والإختناق الذي فرض على المحترفين الزهد في الحضور ليس لسقوط النقطة عن مصدر الخبر، وإنما لتحول هذه النقطة غاية ومسعى جعل الحرب تستعر وتحالفات الجهة تتراص والضرب تحت الحزام شعار المرحلة. غدا قد يخرج رجال الصحافة الرياضية تحديدا في زمن يساقون فيها تباعا كالخرفان لسلخانة المحاكمات ومذابح الأحكام عن صمتهم ويطلبون بتحديد سقف الأوصاف المسموح بتداولها والإستعارات المباحة، نريد تفسيرا لماذا يقبل لاعب ما تدليله بالقول مثلا أنه بلدوزر الفريق الفلاني الذي دهس لاعب الفريق العلاني، ولا يقبل بالمقابل وصف النطحة التي تعرض لها بأنها أشبه بدهسة «طرامواي أو طوبيس»؟ كثيرا ما نتداول في الصحافة الرياضية وصف الجلاد بكل القسوة المميزة لصاحب الصفة قبل تلطيفها وذهنها لاحقا بكلمة «الحريري»، علما أن التاريخ لم يقربنا فيما سبق أو لحق من جلاد أنجبته دودة القز. ظل مهاجم أسود الرافدين العراقي يونس محمود يتابع بأوصاف ربطت بينه وبين ما ساد العراق الشقيق خلال فترة ما من أحداث، فأسقطت عليه صحافة قطر وصف «السفاح»، وكلما كان الزرقاوي يخرج بصعقاته في بغداد ومحيطها كانت نفس الأقلام تفرغ شحناتها في يونس المسكين وتبتدع له من الصفات ما يشيب له الوندال وألطف ما استقرت عليه في خاتمة المطاف صفة «القتال». طاردت الصفة المهاجم العراقي وامتدت لخارج قطر ليستعيرها المذيعون العرب في المحافل الأسيوية والخليجية، وكلما حل موعد الديربي بين العراق والكويت إلا وترصد مذيعو الكويت الكرات التي تصل للمهاجم العراقي لوصفه بالسفاح أو القتال.. ولم نسمع يوما أن محمود قرر رفع تظلمه لجامعة عمرو موسى ليكشف حقيقة جبن مذيع يفرغ شحنات الغل التي جعلته يقول في يونس ما عجز عن الجهر به يوما لصدام. عبر «الزابينغ» الذي تبثه كنال بلوس الفرنسية ومعها «أنفو سبور» واللتان تستعرضان أقوى اللحظات داخل المباريات شدني تعليق مذيع تابع واحد من لقاءات الكلاسيكو الأربعة بين الريال والبارصا، أثارني وصفه لإصابة لحقت بوسكيتس من البارصا بحادثة أوتوبيس في إسقاط على رأس البرتغالي بيبي الذي صدمه من الخلف، تخيلت كل السيناريوهات إلا أن يجر بوسكيتس المذيع الفرنسي للمحاكم الأوروبية لأنه حينها كان سيجعل من نفسه أضحوكة كل القارة العجوز، إذ يصفون أصحاب هذا الفكر هناك ب «تفكير الحفاظات». عاش الألماني كولر طوال مشواره وهو مطاردا في الملاعب من المعلقين والواصفين والصحفيين بصفة «الجزار»، يلقب غاطوزو في إيطاليا «بالخنزير البري»، المعتزل الشهير فيركيود وصف بالحمار وطوتي بالغبي والبليد الذي تؤلف نصف ساكنة روما الموالية للازيو كتبا للنكاث تحكي عن غباوته في وقت يلقبه النصف الثاني بالأمير.. ومن يصدق منكم أن جوهرة بحجم ميسي يلقب بالبرغوت؟ ولا أحد طالب من كل هؤلاء بحق مدني في حدود 10 مليون أو 10 مليار، لأنهم باختصار يحترمون الإبداع وحرية الخيال ولا ينظرون للأمور حد أرنبة الأنف حتى ولو تكسرت؟ حين صد الحارس الكولومبي المشاغب هيغيتا كرته الشهيرة بالعقب على مشارف خط المرمى، وصف مذيع إحدى المحطات الأمريكية، حيث كان هيغيتا رفقة زميله فالديراما الحركة «بصدة البغل» لأن هيغيتا باختصار تعلم بأمريكا أول دروس الروح الرياضية وتقبل الإنتقاد مهما كان لاذعا، قبل أن يتعلم البراغماتية ومطاردة البصقة ظانا منه أنه دولار.. أيها الزملاء: تزاحموا تراحموا وشدوا البنيان الذي يتداعى كله بالسهر والحمى ما إن يشعر عضو واحد منه بالألم، لأن الشماتة طريقها قصير ودوارة أما المتربصون بالأوصاف لربح المليون، فسيعلمون غدا أي منقلب سينقلبون؟