أوقفني أحد القراء الأوفياء وسألني عن وضعية المنتخب الوطني المغربي في نمطيته وخيباته ورجاله وتاريخه وروحه ومدربيه ومسؤوليه بعد مرور ردح من الزمن بلا محصول إيجابي في النتائج والألقاب، واستطرد قائلا من أنه إستمع إذاعيا لبعض النجوم المغربية وهي تتحسر على واقع الكرة الحالي وتضع المقارنات بين جيل العطاء من دون إمكانيات مادية في الزمن الجميل، وبين جيل المال من دون أن يكون اليوم على درجة النجومية العالية. قلت للقارئ الكريم بالحرف، هو جواب متأخر في أبعاده وزمنه لأني كنت أول من قال بهذه الحقيقة المرة قبل عشر سنوات خلت وليس ما يتحدث عليه الآن عبر الأثير، لكون من تحدث عن بطولة ضعيفة ومردودية هزيلة للاعب عادي يتقاضى اليوم أضعاف وأضعاف ما كان يتقاضاه نجم الأمس على أعلى مستوى في الأداء والفعالية والروح الوطنية والبحث عن الإحتراف الأوروبي، هو عبد ربه كمحلل عاش زمنين مختلفين في الكرة بين أندية وطنية كانت تضم أي منها ستة أو سبعة نجوم على الأقل لهم وزنهم وجمهورهم، وبحسبة فنية كنا كل أسبوع أمام عرمرم من النجوم التي تحضر بالأندية وفي المباراة الواحدة بين فريقين يضمان أجود العناصر، ما يعني أننا كنا أمام 14 أو 20 نجما في المباراة الواحدة وفي كل الخطوط التي هي اليوم معدومة الهوية من النجوم ذات المستوى العالي. ما يفسر أيضا الأرقام الموضوعة على طاولة الحساب في الجولة الواحدة تعطيك ما لا يقل عن ثمانين لاعبا من المستوى الرفيع في ثمان مباريات، وهو ما نفتقده في بطولة اليوم المسماة بطولة إحترافية مفروض فيها أن تقدم لنا جميع الفرق بمردود عالي من النجوم وبمستويات كبيرة من القيمة الأدائية واللياقة العالية والحس التكتيكي العالي والإيقاع المنساب بالسهولة التي أصبحت عليها كرة القدم العالمية الآن. لذلك نحن أمام زمن مختلف في القيمة الفنية للاعبين عاديين في البطولة ويساوون الشيء الفلاني وهم أصلا لا يملكون هذا النوع من السومة المالية في بورصة الإنتقالات. طبعا نحن أمام مسخ كروي ليس اللاعب هو المسؤول عنه، بل المنظومة الكروية التي يقودها الفريق الجامعي والعصبة الإحترافية والأندية الوطنية، ورؤساؤها الأصليون كجزء لا يتجزأ من المسؤولية التي لا تنتج اللاعبين من مدارسها الكروية وتعتم أصلا فضاء المنتخب الوطني من دون عيارات على أعلى مستوى من القيمة والشخصية والحضور المضاعف في قيمته الدولية. قلت في السابق وبالحرف أن لدينا 16 ناديا بالدرجة الأولى و16 ناديا آخرا بالدرجة الثانية، وكل نادي له أسطول من 26 أو 30 لاعبا من كل الإختصاصات، وإذا جمعنا الرقم الإستدلالي للاعبين، سنكون أما جيش يصعب اختيار 40 لاعبا على أكثر تقدير للمنتخب الوطني الأول، وقس على ذلك المنتخبات القاعدية من الفئات الصغرى للأندية بمعزل عن التوجه إلى أوروبا. لذلك فجوابي يصب في اتجاه الأرقام الهزيلة التي تعيشها كرة القدم الوطنية والأندية الوطنية التي تعيش على فتات خريطة انتقالات عادية وبأسعار لا تقارن مع منتوج كرة الأمس التي وإن كانت حاضرة الآن فستشكل ضربة قوية للاعبي اليوم. عشنا أيضا رصيدا كبيرا من النجوم التي كانت تختار في المنتخبات كزبد الزبد الذي لم يستدع مع أن لائحة الإنتظار كانت أيضا تعج بالنجوم المهارية في كل الأدوار. وهو أكبر جواب يقرأ كمقارنة بين زمن الإمكانيات المرصودة اليوم بجلباب اللاعب العادي وما كان في زمن مضي. أما المنتخب الوطني اليوم الذي تتشكل نواته من المحترفين بقلة المحليين فليس سؤالا جديدا، بل سؤال إعتيادي وضع ما بعد كأس إفريقيا 2004 بحكم تراجع البطولة الوطنية في مؤداها الإنتاجي للموارد البشرية ودخولها عالم البيزنيس وبيع اللاعبين للخليج وغياب سياسة التكوين القاعدي بدرجة أفقرت المنتوج بوجوه تتنقل بين الأندية الوطنية لتحسين الوضع المادي، وكانت الضريبة أن فقد المنتخب الوطني كشكوله الخام من المستوى العالي وقلبت الرؤيا نحو المهجر كأداة تكوينية ليس إلا. والمصيبة أن المسؤول الرئيسي عن هذا التراجع هو رئيس النادي أحببنا أم كرهنا.. رئيس من أجل إبرام الصفقات وليس من رئيس الخلق والإبداع الذي يمنح لأنصاره موروثا بشريا بأهداف الألقاب كما كان في الزمن الجميل بألقاب أكثر الأندية توهجا في المنتوج حتى ولو لم تفز بأي شيء. ومن يراجع تاريخ الكرة سيتأكد من أن رحيل إتحاد سيدي قاسم والمولودية الوجدية وشباب المحمدية وجمعية سلا ورجاء بني ملال وغيرهم كثير كان له إشعاع رجولي في كل شيء، لأن الإستمرارية في خلق الرجال ماتت بروح قتل الكرة، فمن نعاتب أصلا من تلك الفترة إلى اليوم حتى من الأندية التي تقول أنها أندية عملاقة من قبيل الجيش الذي أصبح اليوم أقل شأنا من تاريخ أمسه الكبير ؟