خفة الرجل ياغيرتس الكاريزما لا تباع ولا تشترى وعزة النفس لا تطرح في مزاد، والسيد غيرتس قدرنا والتمسنا له آلاف الأعذار وقلنا أنه حتى كابيلو يدرب لأول مرة منتخبا في مساره وبالتالي أزلنا عنه دهشة الإشراف على فريق وطني يجر خلفه قاعدة جمهور الشعب بأكمله وليس فريق مدينة.. لكن أن لا يجارينا الناخب الوطني في التقدير وأن يركب رأسه ويمارس شغبه علينا بكل الإساءات الممكن تحملها مجانا، كما يتداوله الإعلام الفرنسي وحتى السعودي هذه الأيام، من خلال الحركة التي قام بها حتى وإن كانت عفوية بتسلقه حافلة مارسيليا لمشاركة لاعبيه السابقين أفراحهم، فهذا ما لا ينبغي تمريره بشربة ماء ويجعل كل رصيد هذا المدرب لا يساوي بصلة على سلم الكرامة. قلت في سياق سابق أنه عند فورة موقعة الإياب أمام الثعالب سيظهر الحساب، ولم نشيع غيرتس كما لن نسلخ جلده كما فعل الآخرون، برغم السوءات الكثيرة التي سجلناها عليها في مباراة خسر فيها نقاطا عديدة فكرا وتكتيكا، وقدرت أن الموسيو إيريك سيجلس للتأمل عميقا في الفترة المحسوبة بثلاثة أشهر وهي المدة الفاصلة بين لقاء عنابة ولقاء البيضاء، وسيحسب للخطوة حسابها كي يستعيد الرصيد الذي أهدره بالجزائر وكي يسدد النذر والوعد الذي نكته حين قال أنه سيعود بفروة الثعالب من عقر الدار.. لا هذا ولا ذاك هي الرحلات والأسفار منها المبرر والمقبول ومنها الذي فيه مقال، على شاكلة «فضيحة الطوبيس» بمارسيليا. سافر لبلجيكا لمشاهدة بوصوفة حين كان الأخير ببلاد البينولوكس ومعه الحمداوي في لقاء ضم الطرفين، عاد ليلحق بعدها بفرنسا وعاين بلهندة والكوثري ورصد هرماش بالمباشر، فقلنا حينها لا ضير فلعل الرجل اهتدى لمكامن العلة والخلل بعد أول صدمة عاشها بالجزائر ومن حقه تقفي أثر أسوده، سيما وأن المدة الفاصلة عن لقاء العودة تتيح له الحل والترحال كيف يشاء وله هامش من الوقت لتدبر المعركة القادمة. عاد غيرتس للمغرب وما إن حطت به الطائرة حتى تناهى للعلم أن حنينا ما راوده للعودة للسعودية، فثار هرج ومرج كبيرين بين قائل بدعوة تلقاها من بن مساعد لحضور لقاء الهلال والوحدة في نهائي على ما يبدو كان يتمنى حضوره من دكة البدلاء وليس من المدرجات، وقائل بأنه ذهب لاستخلاص فاتورة عالقة وأقساط متأخرة بذمة السواعدة، برغم أن الإعلام السعودي لم يترك الفرصة تمر دون أن يربط الحضور بالفضول ويخمن بعودة أسد ريكم البلجيكي للرياض وهو ما أغضب كالديرون مدرب الهلال على شاكلة غضبة ديشامب.. عاد غيرتس فظننا أن الشهر المتبقي والذي يقدر بالساعات وليس بالأيام في عرف المدربين الذين يقدرون حقيقة الزمن بحدة السيف، بقاعدته الشهيرة إن لم تقطعه قطعك، في وقت يعتكف فيه بنشيخة وزهد في كل الملكوت من أجل العودة بالغلة كاملة من المغرب، يأبى غيرتس إلا أن يركب بساط الريح مرة أخرى وهذه المرة صوب ألمانيا للبحث عن «الميمون» ولا أقصد السعد والفأل الحسن وإنما ميمون أزواغ ولا أظن أن السياق يقبل بالتجارب، وبعدها يلحق بالحمداوي في أراضيه الواطئة ليطير منها لفرنسا، حيث الواحة التي ستجلب لنا كثيرا من صداع الرأس وستمرغ كرامة مدرب لم يستوعب بعد أنه صار ناخبا وطنيا ويجر خلفه انتماء لبلد سيضره كما سيضر نفسه، إن لم يقدر للخطوة تقديرها الصح. غيرتس قبل نحو شهر من الآن جالس جون أولاص ولا يهمنا إن كان اعتذر له ولأولمبيك ليون من عدمه، المهم أنه جالسه وما كان عليه فعل ذلك لأنه بهذا الشكل يزعزع كيان وأركان منتخب وطني ويجعل لاعبيه دائما محل شدوه وحيرة.. هل سيستمر هذا الربان أم تراه في فترة استجمام واستمتاع بشمس مراكش وما إن يستعيد طراوته الذهنية والفكرية التي استنزفها في السعودية بالعمل اليومي الشاق، حتى يقفل راحلا لوجهة في حكم المعلوم. ثري تركي يخطب وده ويريده لقلعة سراي الأناضولية من جديد، ديشامب غضب من حركة مدرب محترف كان من المفروض أن ينأى بنفسه عن هذا المطب الحرج ويتذكر الهوية الجديدة التي صار يحملها وهي «مدرب منتخب المغرب» رحلات هنا وهناك بحثا عن عناصر جديدة جودتها غير مضمونة.. ليس هكذا تورد الإبل يا سيد غيرتس، فالفرح ليلة الديربي تدبيرو شهر، وعندنا بالمغرب نقول «اللي تلف يشد الأرض» وخفة الرجل ماشي مزيانة نقولها لك ونتمنى أن لا يرددها من انتدبك بعد ذلك ومعها يردد ما تبقى من الرائعة «أش داني لا ش مشيت غير نظرة من عيونو..»، والبقية تعرفونها.