إنتظر الجمهور المغربي عشرون سنة، ليشاهدوا منتخب بلادهم من جديد في نهايات كأس العالم، في نسخة روسيا صيف العام الماضي، إذ لازم الفشل كل مشاركات منتخب المغرب في التصفيات الإفريقية المؤهلة للمونديال، بعد نسخة 1998، التي أقيمت بفرنسا وخرج «أسود الأطس» خاويي الوفاض من تصفيات كأس العالم لسنوات 2002 و2006 و2010، و2014، وهي الفترة التي ميزت اكتساحا غير مسبوق للاعبين «المزدوجي الجنسية»، الذين ازدادوا وترعرعوا في دول أوروبا، لصفوف المنتخب المغربي، حتى صار لاعبو البطولة، أو أولئك الذين قادهم تألقهم للإحتراف خارجا، شبه غائبين عن تشكيلته، مع بعض الإستثناءات بين فينة وأخرى. -بأقدام «مزدوجي الجنسية» الكثير من الملاحظين والمتتبعين، لكرة القدم المغربية، إعتبروا أن عودة المغرب لنهائيات كأس العالم بعد غيابه الطويل، يرجع الفضل فيه للاعبين أصحاب الجنسيات المزدوجة، الذين تلقوا تكوينهم في أكاديميات ومدارس تابعة لأندية أوروبية، في هولندا على الخصوص وألمانيا وفرنسا وبلجيكا وإيطاليا، حيث هاجر أجداد هؤلاء اللاعبين وآباؤهم منذ سبعينات القرن الماضي، حينما فتحت أوروبا أبوبها لليد العاملة لتشيد نهضتها الصناعية والفلاحية وبنياتها التحتية بسواعد المهاجرين. وظل الناخب الوطني السابق هيرفي رونار يعتمد على أبناء المهجر الذين ولدوا في أوروبا، أو هاجروا إليها في سن مبكرة جدا، وتكوّنت تشكيلة «أسود الاطلس» في التصفيات المونديالية الأخيرة من لاعبين كلّهم يحملون جنسيات مزدوجة، في مقدمتهم حاملي الجنسية الفرنسية والمغربية، وهم المهدي بنعطية ورومان سايس ويونس بلهندة وخالد بوطيب ويوسف أيت بناصر وفيصل فجر، وكذا سفيان بوفال وحاملي الجنسيتين الهولندية والمغربية ويتعلق الأمر باللاعبين، منير الأحمدي وامبارك بوصوفة وحكيم زياش والشقيقان أمرابط ، وكذا نصير مزراوي، فضلا عن صاحبي الجنسية الاسبانية الحارس منير المحمدي والظهير أشرف حكيمي. وبات احتكار «مزدوجي الجنسية» لصفوف المنتخب المغربي، بمثابة قاعدة خلال السنوات الأخيرة، إذ شارك «أسود الأطلس» بثمانية لاعبين منهم، فقط خلال كأس الأمم الإفريقية 2006، قبل أن يرتفع العدد إلى 15 لاعبا محترفا خلال نسخة 2012 من المسابقة نفسها، علما أن معظم هؤلاء سبق لهم حمل قمصان المنتخبات السنية الصغرى لبلدانهم الأوروبية قبل أن يختاروا في نهاية المطاف قميص المغرب في فئة الكبار. -إستراتيجية الإقناع صرح فوزي لقجع، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أن الجامعة تعمل منذ فترة وفق إستراتيجية محكمة لإستمالة لاعبي المهجر، وحثهم على حمل القميص المغربي، عبر الإعتماد على مجموعة من المنقّبين في أوروبا للعمل في هذا الاتجاه، مؤكدا أن المسؤولين المغاربة يربطون إتصالاتهم بعائلة اللاعب ويقنعونه بأهمية حمله لقميص المغرب، كما تولي الجامعة، حسب لقجع، أهمية بالغة لوالدي ومقربي اللاعب المستهدف، وبعدها يتم استدعاءه والتكلف بجميع مصاريف إقامته وسفره في المباريات التي يستدعى له اللاعب، وهو ما يساهم في اقناع اللاعب عبر اقناع والديه في المرحلة الأولى، ودائما عبر الإنفتاح على محيطه الأسري. وبات تدعيم صفوف المغرب بلاعبين مزدوجي الجنسية غير مقتصر على المنتخب الأول، بل إمتد للفئات السنية للناشئين والشبان والأولمبي، إذ كانت البداية قبل ثماني سنوات بعد التعاقد مع المدرب الهولندي بيم فيربيك كمشرف عام على جميع المنتخبات المغربية الصغيرة منذ الناشئين ووصولا عند الأولمبيين، إذ لعب فيربيك دورا كبيرا في إقناع العديد من اللاعبين الشباب المغاربة، للإلتحاق بصفوف المنتخب الوطني، مستفيدا من شبكة علاقاته بأوروبا، لتسهيل عملية التواصل مع كل اللاعبين، خاصة، الذين يمارسون بالبطولة الهولندية، والفرنسية، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و20 عاما، وهو الأمر الذي أثمر استدعاء الكثير من اللاعبين في تلك الفترة في مقدمتهم زكريا الأبيض ويونس مختار وعماد نجاح، وآخرون من الذين سبق أن شاركوا في الفئات الصغرى للمنتخبات الأوروبية. -الهولنديون «مستاؤون» تعد هولندا المشتل الخصب، الذي جنت منه جامعة الكرة المغربية عبر سنوات، لاعبين مميزين ساهموا كثيرا في تألق المغرب في العديد من المناسبات، وهو الأمر الذي بات يشكل مصدر إزعاج للهولنديين ولمسؤولي الكرة في الأراضي المنخفضة، حيث يرون أن المغرب يحصد ما زرعته أكاديميات الأندية هناك وسهر عليه التقنيون والمدربون الهولنديون وصرفوا عليه أموالا طائلة، باختصار يعتبرون أن الجامعة المغربية تسرق تعبهم. وعبر السنوات ضم المنتخب المغربي الكثير من النجوم الذين ترعرعوا في هولندا، وتكونوا على يد مدربين هولنديين في مدارس كروية عريقة، مثل أجاكس أمستردام وفاينورد، وبعدها ينقلون خبرتهم نحو بلد عائلتهم وحمل قميص المغرب في الفئات الكبرى، خاصة إذا تعلق الأمر بمواهب كان منتخب «الطواحين» في حاجة ماسة لخدماتهم، كلاعبين مثل زياش الذي توج كأحسن لاعب في «الإيردفيزي» من بين عدد كبير من اللاعبين في البطولة الهولندي، نظرا لعروضه المتميزة وعطائه مع أجاكس، إلى جانب تتويجه سابقا بالجائزة نفسها لسنوات متتالية، وإختياره أفضل لاعب مغربي في البطولة مع «توينتي» موسم 20152016، وحصده لجائزة أفضل ممرر في البطولة. زياش رد بقوة على الإعلام الهولندي الذي حاول إستفزازه بسبب إختياره للمغرب، وتجاهله في فترة سابقة مع رونار الذي لم يستدعه في كأس إفريقيا قبل عامين بالغابون، لكن رده كان حاسما وقال إن المغرب هو أمه ولا أحد يختار أمه ولا أحد يغضب من أمه. زياش لم يكن الأول الذي أسال دموع الهولنديين وأحبطهم اختياره، فقد سبقه لذلك منير الحمداوي، النجم السابق للبطولة الهولندية والحائز على جائزة أفضل لاعب فيها مع «أزيد ألكمار» سنة 2008، كما خطف لقب هداف البطولة من النجم الأورغواياني لويس سواريز، زميله في أجاكس أمستردام، وتوج بلقب الهداف سنة 2009 برصيد 24 هدفا، وأيضا أسامة السعيدي، الذي سبق له التتويج بجائزة أفضل لاعب مع «هيرنيفين» لسنتي 2011 و2012، وجائزة أفضل لاعب مغربي سنة 2011، كما سبق للأحمدي العميد السابق لفاينورد ، أن بصم على أفضل أداء، زيادة عن أسماء كثيرة مثل خالدي سينوح ونور الدين البوخاري وآخرون. من جانبه، نفى المدرب الهولندي مارك فووت، الذي شغل في السنوات الماضية منصب مدرب للمنتخب الأولمبي المغربي، إستعمال المغرب لورقة المال أو لجوئه للضغوط من أجل استمالة اللاعبين، وشدد في تصريح ل«المنتخب» أن الجامعة المغربية عبر وسطائها تقوم بالإتصال باللاعب وبعائلته، وتترك له حرية الإختيار، داعيا في الوقت نفسه جميع الجامعات الأوروبية بما فيها الجامعة الهولندية، إلى احترام إختيارات اللاعبين لأنها أمور محض شخصية ولا تعني أي أحد سواهم، لأن كل لاعب له الحق في تحديد مصير مستقبله الدولي سواء مع بلد المنشأ أو بلد الجذور. -رفضوا «نداء القلب» في مقابل اللاعبين الذين يلبون ما يسمونه «نداء القلب»، هناك أخرون لم يستمعوا لنبضاته، واختاروا منتخب بلد المنشأ والقائمة طويلة، فيكفي أن نتذكر نجم منتخب بلجيكا مروان فلايني الذي لعب مع المنتخب المغربي للشبان لعشرين دقيقة فقط في مباراة ودية سنة 2005، إذ غير وجهته والتحق بالمنتخب البلجيكي الأولمبي، وبعدها صار من الركائز الأساسية بالمنتخب البلجيكي، وعادل رامي الذي دعي للدفاع عن ألوان المغرب سنة 2008، من قبل المدرب الفرنسي «هينري ميشيل»، بعد إتمامه لأول موسم له بالبطولة الفرنسية رفقة نادي ليل، لكنه إختار حمل قميص المنتخب الفرنسي بدعوة من المدرب «ريمون دومينيك»، وابراهيم أفلاي الذي حسم منذ البداية في إختيار قميص المنتخب الهولندي، ويونس قابول الذي فضل الانتماء إلى المنتخب الفرنسي، وناصر الشادلي الذي شارك مع المغرب في مباراة ودية أمام إيرلندا الشمالية، قبل أن يغير رأيه وينضم لمنتخب بلجيكا، وخالد بولحروز الذي حمل قميص المنتخب الهولندي، وكذلك منير الحدادي الذي لعب 10 دقائق فقط رفقة المنتخب الاسباني، ثم بعدها وجد نفسه خارج اهتمامات منتخب لاروخا، فندم حيث لا ينفع الندم وحاول استعطاف الاتحاد الدولي ولجأ إلى المحكمة الرياضية «طاس» لحمل قميص المغرب، غير أن القوانين كانت واضحة، «حمل قميص منتخب ما في مباراة رسمية يعني استحالة تغييره بقميص منتخب آخر»، وأخيرا اللاعب ماثيو الكندوزي نجم وسط ميدان أرسنال، الذي كان واضحا ورفض دعوة المغرب وصرح بأن حلمه هو اللعب للمنتخب الفرنسي.