لا.. أفهم نقيس الهوة التي تفصلنا عن الإحتراف كفكر ومن دون حاجة إلى الدخول في متاهة التصنيفات بما يحدث في البطولة اليوم وهي تستعد لإنهاء مرحلة الذهاب ولمباشرة مرحلة حاسمة في فترة الإنتدابات الشتوية. وما يحدث في البطولة الوطنية أمر محير، مدهش ومستفز، فلا أستطيع أن أجد تفسيرًا واحدا لهذا السقوط المتواثر للمدربين، لا أقصد أن يكون هناك مدربون مقالون، ففي كل العالم يبرز منطق النتيجة ليقال أي مدرب حتى لو أن الصيغة المهذبة للإستقالة تستحضر صفة الإنفصال بالتراضي، ولكن ما أقصده أن يكون هذا الإمعان الغريب في التضحية بمدربين بعدد أصابع اليد داخل الفريق الواحد أحيانا. أفهم مثلا أن يكره نادي شباب قصبة تادلة على أن يصحو كل يوم على خبر تعيين مدرب جديد، بعد أن كان المدرب السابق المقال أو المستقيل قد خرج من القصبة مجزوعا وقد تكسر فيه العظم والصبر لوجود ظروف قاهرة ومانعة للعمل، ولكنني لا أستطيع أن أفهم كيف يستطيع أبناء القصبة أن يعوضوا المدرب المستقيل أو المقال بآخر في رمشة عين، وكيف أن الذي يأتي، يأتي وهو يعلم علم اليقين أن من سبقه إنما خرج من القصبة بسبب أنه لم يجد ظروفا للعمل. وعندما نجد بالقسم الأول المحسوب على فئة الصفوةالمؤهلة لدخول البطولة الإحترافية أندية إما تستبدل المدربين كما تستبدل المعاطف، ولا تجد حرحا في طلب الرخصة الواحدة بعد الأخرى، وإما لا تتوفر لها الحدود الدنيا في وسائل الإشتغال، فإن ذلك يحيلنا بالقطع على أنماط للتدبير لا تصلح أبدا أن تكون حاضرة في هذا العصر، فإما أن نكون جازمين في فرض سقف لا يمكن النزول عنه لضرورات يجب توفرها لأي فريق ينتمي لقسم الصفوة وإما أن نؤمن مع أنفسنا بأن ما نملكه من معطيات ومن عزائم ومن إرادة لا يمكننا أبدا من ردم تلك الهوة التي تفصلنا عن الإحتراف.. غير المدربين الذين يتساقطون تباعا كأوراق الشجر إحتراما لتقليد قديم وبديئ، هناك ما تشهده اليوم سوق الإنتقالات من حركية غير مفهومة أو لنقل عصية على الفهم من قبل أي فكر إحترافي.. ويربك كل منطق أن يكون فريق مثل الوداد وهو بطل للمغرب ومدعو للمشاركة في عصبة الأبطال الإفريقية سفيرا لكرة القدم الوطنية، غارقا إلى الأذنين في تصميم صفقات إنتداب جديدة في الفترة الشتوية وهو الذي كان قد أنجز غيرها في الفترة الصيفية، وقد يكون مفهوما ومستصاغا أن يعمد الوداد إلى عقد صفقة أو صفقتين إما ليسد فراغا في مراكز بعينها تراءى خلال مرحلة الذهاب وإما ليستجيب لمطلب ملح من مدرب لم تكن له يد في كل الصفقات التي أنجزت على عهد مدرب آخر جاء إلى الوداد على أنقاضه، ولكن لا يصبح مفهوما البثة أن يصل مثلا عدد الصفقات إلى ستة أو ثمانية بخاصة وأن الجامعة قيدت الأندية بعدد محدود من اللاعبين.. ولا يمكن تفسير هذه الحالات الخارجة عن المنطق الإحترافي إلا بشيء واحد هو أن هناك فراغا تقنيا مهولا بداخل أنديتنا الوطنية، فإما أن هذه الإنتدابات تصمم بمعرفة مدرب لا يفتأ أن يغادر الفريق لسوء المردود ويتبين بعد ذلك أنه صمم هذه الصفقات على مزاجه وعلى مقاسه الذي لا يمكن أن يكون بالضرورة نفس مقاس مدرب آخر، وإما أنها تصمم من رجال يعطون لأنفسهم داخل الفرق قوة تقنية لا تناسبهم ولا تتطابق معهم. ليس بين فرقنا من لها حتى واحد بالمائة من ميزانية برشلونة وريال مدريد، ومع ذلك فبرشلونة عقدت صفقة واحدة تمثلت في انتداب المغربي الأصل إبراهيم أفلاي وقد تكون الأخيرة لها هذا الشتاء، وريال مدريد ما زال الأن متريتا في الكشف عن صفقته، في وقت وصلت فيه بعض أنديتنا إلى ست أو عشر صفقات إنتداب حتى لو كانت بالمجان.. عندما يغير أي فريق وهو على أهبة الدخول إلى النصف الثاني من الموسم نصف ترسانته البشرية تحت أي سبب من الأسباب حتى لو كان وجيها، فإن ذلك يعني أن هناك مقامرة خطيرة قد تذهب به إلى حد الموت الزؤام.. صحيح.. لا أفهم.