عرس الدم في الوقت الذي كان فيه مناصرون وداديون بدرب السلطان ينحرون خروفا احتفالا بفوزهم على الرجاء، كان شاب في عقده الثالث يشحذ سكينه لذبح والدته. على بعد أمتار من مركب محمد الخامس، تحول منزل بزنقة جيرا إلى مسرح لجريمة فظيعة، بعد أن أجهز متيم بحب الرجاء على والدته وأحالها إلى جثة هامدة. بسرعة تم تكييف الجريمة التي تحولت إلى تصفية جسدية ضد كائن ودادي، وانضمت إلى مذابح الديربي الكثيرة، اعتمادا على عنصر إدانة يصنف الجاني في خانة الرجاويين المتطرفين. حسب شهادات الجيران فالفتى البالغ من العمر ثلاثين سنة، يعاني من اضطرابات نفسية، ويدين بالولاء للرجاء، كما يكره الأحمر إلا لون الدم ولون أقراص الهلوسة. تقول الروايات المتناثرة حول الفاجعة، إن الفقيدة كانت ترتدي اللون الأحمر لحظة المرتد الدامي، الذي حول الشاب إلى ثور هائج، لكن الرواية غير صحيحة لأن القاتل صادف في طريقه من الملعب إلى المعاريف مئات من المناصرين الحمر دون أن تظهر نوايا الشر في عيونه. نظرا لتزامن الجريمة مع نهاية مباراة الغريمين الرجاء والوداد، فقد صنفت، غصبا عنها، في خانة جرائم الديربي، رغم أن تكييف القضية لا يتجاوز حدود الجرائم المرتكبة ضد الأصول، من طرف جاني خارج التغطية العقلية. في نفس اليوم شهد حي الأمل بسيدي البرنوصي مقتل مناصر رجاوي بالسكتة القلبية، الفقيد تابع الديربي على شاشة التلفزيون، غير مهتم بالنشرات التحذيرية التي أطلقتها مديرية الصحة والتي دعت ضعاف القلوب ومرضى السكري إلى مشاهدة كل شيء إلا مباراة الديربي. ورغم أن الوفاة كانت نتيجة نبضات غير طبيعية للقلب، إلا أن التأويلات ذهبت إلى اعتبار المشجع الرجاوي الراحل ضحية من ضحايا الديربي الغاشم، فكانت مراسيم التأبين مناسبة لعن فيها الحاضرون الديربيات ما ظهر منها وما تأجل، وأدانوا لاعبين بلا روح قطعوا الروح عن مناصرين لم ينفع الدواء في التصدي لداء العشق الزائد لديهم. مباشرة بعد انتهاء موقعة الموسم الماضي، قتل مقدم حارة شخصا في دروب المدينة العتيقة للدار البيضاء، قبل التحقيق مع الجاني والاستماع إلى الشهود، فرض الديربي سلطته على الجميع، وصنفت النازلة كصراع بين عون سلطة ودادي ومواطن رجاوي أصر المقدم على منحه شهادة الوفاة بنفسه ودون الحاجة لخاتم قائد مقاطعة بوسمارة. في أعقاب مباراة الغريمين التقليديين لنفس السنة، شهدت إحدى مقاهي درب ميلان بالدار البيضاء، جريمة قتل كان الضحية مصطفى جالسا في المقهى يحتسي قهوة سوداء، وهو الملتحق بتشكيلة العاطلين بعد أن كان ينتمي لسلك الشرطة، قبل أن يداهمه صديقه سعيد ويطالبه بدين قديم، تطور النزاع وانتهى بطعنات من سكين الجاني سعيد الذي تحول إلى تعيس بسجن عكاشة، للأمانة فإن الصراع الودادي الرجاوي بريء من الجريمة، لأن الجاني والمجني عليه «برا عليهم» من الكرة، رغم ذلك ذهبت الروايات الشفوية والكتابات الصحفية إلى نقل الواقعة من مجرد تصفية حسابات بين شخصين إلى تصفية زعامات كروية وهمية. كل الحوادث التي تحدث قبيل وبعيد الديربي، تحال على سجلات «جرائم الديربي»، حتى حوادث المرور التي حصلت في الطرقات المؤدية إلى الملعب، بين الهوندات والدراجات الصينية ووسائل النقل السري والعلني، تحول المصابون فيها بفعل «فاعل شر» إلى ضحايا الكلاسيكو البيضاوي، وضعت على أجسادهم الممددة شعارات الناديين وأكاليل ورد بلاستيكي وتوقيعات تافهة للذكرى على الجبس المسلح. قبل عامين، وبالقرب من حي مولاي رشيد سقط مشجع رجاوي من بوابة الحافلة التي كانت حمولتها تتجاوز التكدس المسموح به، ومباشرة بعد مراسيم الدفن انتصبت الأعلام الخضراء في بيت الفقيد، وانتدب رئيس الرجاء من ينوب عنه في تقديم فروض العزاء، وقبل أن يتفرق الجمع رفع أحد الفقهاء أكف الضراعة إلى العلي القدير ليسكن الفقيد أفضل الجنان إلى جانب الشهداء والصديقين ويحفظ الرجاء من كل مكروه. يردد بعض المتفرجين أثناء مغادرتهم مدرجات مركب محمد الخامس، مقطعا من مرثية غنائية شعبية، تقول «الديربي القتال شحال قتلتي من رجال»، وهي لازمة استبدل فيها شعراء الملاعب كلمة الشراب أي الخمر بالديربي كي تمنح للمواجهة الكروية مفعولا قويا، يحيل المناصرين إلى سكارى وما هم بسكارى. مثل هذه القضايا تسحب بقوة الحدث الإعلامي، من صفحات قضايا المحاكم وتحال غصبا عن أصحابها إلى الصفحات الرياضية، لتتعايش مع نبض الملاعب وتسجل في تاريخ الحوادث الكروية، قبل أن تقول العدالة كلمتها وتبرئ المباراة من دم الموتى. يحاول الإعلام عبثا أن يوحي لنا بأن الجرائم التي تتزامن مع مباريات الإخوة الأعداء، جرائم طائفية وليست جنائية، وأن دم «الشهداء» الذي سال كان ثأرا للشرف، انسجاما مع قولة المتنبي الشهيرة: لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى ==== حتى يراق على جوانبه الدم.