لم تحظى حاسة الشم في مجال البحث العلمي بنفس الاهتمام مقارنة مع حاستي السمع والبصر، وقد يرجع ذلك لعدة أسباب من بينها أن الإنسان يعتمد في تواصله مع الآخر على الكلام والإشارة.. كما أن دراسة وظيفتي العين والأذن أسهل من الناحية التشريحية من دراسة وظيفة الأنف، أما السبب الرئيسي فيتلخص في كون الضوء والصوت ترتكزان أساسا على ضوابط فيزيائية محددة وبسيطة كالتردد والشدة في حين أن الروائح يتم التعرف عليها عبر ظاهرة كيميائية جد معقدة بحيث لازال العلماء يجتهدون في استكشاف أسرارها. يغطي القرين الأعلى بداخل الأنف نسيج متميز يتكون من خلايا خاصة ذات أهداب حساسة تستقبل الروائح، وتتوزع فيه ألياف العصب الشمي، تنتشر جزيئات المواد في الهواء ثم تصل إلى هذا النسيج لتذوب بفعل رطوبته مما يؤدي إلى حدوث تنبيهات كيماوية لخلايا أعصاب الشم تختلف باختلاف نوعية الجزيئات وتركيباتها وأشكالها الهندسية، ثم ينتج عنها سلسلة معقدة من التفاعلات التي تمكن الدماغ من التعرف على الروائح وتسجيلها بالذاكرة. ولقد أظهرت الأبحاث العلمية في السنوات الأخيرة أن هناك علاقة وثيقة بين المسارات المركزية في الدماغ لحاسة الشم ومعالجة الروائح ولنظام التحليل العاطفي الوجداني، كاللوزة والحصين، والقشرة الحزامية الأمامية، والقشرة الأمامية المدارية.. وقد لاحظ الباحثون أن المرضى الذين يعانون من بعض حالات الاكتئاب والفصام مصابون باضطرابات في حاسة الشم.. ومع أن الأبحاث العلمية في هذا المجال لازالت قليلة إلا أن العلماء يقرون أن الذين يعانون من خلل في حاسة الشم يصابون بأمراض نفسية متفاوتة الخطورة من المزاج المكتئب إلى الاكتئاب الشديد.. وقد نستخلص مما سبق حكمة سيد البشرية، وصاحب المقام الأعلى في التربية والتزكية نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام عندما أخبرنا عن مكانة الطيب والتعطر في حياته فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة"، وعن أنس بن مالك قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بطيب لم يرده"، وعندما أخبرنا عليه الصلاة والسلام أن التعطر من سنن المرسلين فعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الحناء والتعطر والسواك والنكاح من سنن المرسلين"، وعن نافع مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان ابن عمر يستجمر بالألوة (العود) غير مطراة والكافور يطرحه مع الألوة ويقول "هكذا كان يستجمر رسول الله صلى الله عليه وسلم". هكذا يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أبدى اهتماما خاصا لهذه الحاسة المتميزة إذ جعل التطيب من سننه صلى الله عليه وسلم، وقد دعا المسلمين إليه كما نجده قد ميز بين ما يصلح من طيب النساء وما يصلح للرجال حفاظا على أمته من الوقوع في الفتنة، وحرصا عليها من إثارة الشهوات المميتة للقلب فما زاد عن حده انقلب إلى ضده، قال عليه الصلاة والسلام "طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه". المراجع: 1. محمد السقاعيد، موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة، دار اليقين، الطبعة الأولى، 2009. 2. عرفان يلماز، وفي أنفسكم حكايات الجسم البشري، دار النيل، مكتبة حراء، الطبعة الأولى، 2012. 3. Y.Soudy and all, Olfactory system and emotion: common substrates, European Annals of Otorhinolaryngology, Head and Neck diseases 128, 18—23, 2011.