لا شك أن جسد النبي (ص) خلق لغته. فرائحة الطيب التي انتصر إليها- مثله في ذلك مثل المسيح (قصة المرأة التي سكبت على رأسه عطر الناردين)- توضح، على المستوى الجنسي، أن محمدا استطاب مذاق العذوبة الرائقة، ومشهد الجمال الدنيوي ملتبسا بروائح الآخرة الفردوسية العبقة. فعن انس بن مالك قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ وما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا شممت مسكا ولا عنبرا أزكى من رائحة النبي صلى الله عليه وآله وسلم» (متفق عليه). وعنه أيضا، قال: «دخل علينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال (أي نام) عندنا فعرق، فجاءت أمي بقارورة فجعلت تسلت العرق فيها، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال :»يا أم سليم: ما هذا الذي تصنعين؟ قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب» (رواه مسلم). وذكر البخاري في تاريخه الكبير، عن جابر: «لم يكن النبي (ص) يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيبه». ويؤيدُ هذا ما رواه مسلم في الصحيح من حديث جابر بن سمرة: «أن رسول الله (ص) مسح خده قال: فوجدت ليده برداً وريحاً كأنما أخرجها من جؤنة عطار. وكان(ص) يُعرف منه ريح الطيب إذا أقبل». وكان النبي لا يسلك طريقاً فيتبعه أحد، إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه. قال إسحاق بن راهوية: أنّ تلك كانت رائحته بلا طيب. بل كان له سُكة يتطيب منها، فعن أنس بن مالك : «كان لرسول الله (ص) سُكة يتطيب منها، ومعنى السُكة: طيب مجموعَ من أخلاطٍ، ويحتمل أن يكون وعاءً لذلك. (أنظر صحيح أبي داود 2 برقم 3508 الألباني). وكان محمد (ص) يُحب التطيب بالعود، والمسك، والعنبر وغيرها. فعن محمد بن علي قال : «سألتُ عائشة: أكان النبي (ص) يتطيب؛ قالت: نعم بذكارة الطيب: المسك والعنبر». وكان من هديه أيضا عدم رد الطيب إذا قُدِّم له أو أهدي إليه. أخرج أبو داود والنسائي: أن النبي (ص) قال: من عُرض عليه طيبٌ فلا يرده فإنه طيب الريح خفيف المحمل، والحديث يدلُ على أن رد الطيب خلاف السُنة لأنه باعتبار ذاته خفيف لا يثقل حمله. لقد كان التعطر من الأشياء المحببة جداً إلى النبي (ص)، مما يسمح بالقول إن هذا الاحتفال الواسع بالطيب يقدم الدليل على أنه سلاح للسيطرة على أجساد النساء، ودفع بهي لأي «نشوز أنثوي» يقود إلى التعنيف وهجر المضاجع.. إن الرائحة هنا انهزام لأوساخ ما قبل الإسلام، وانهزام للجسد الأنثوي الممانع. إنه بمعنى من المعاني سلطة جنسية مضادة الّتي ما عادت تُرى مليّا بل تُستنشَق، ولها تأثير أعمق لأنّه تأثير فوريّ. فبمجرّد أن يُتَنشَّق الشّخص حتّى يدلّ عليه عطره، على الرّغم حتّى من أنّ جسده يظلّ بعيدا. إنّ العطر يحوّل الفاقدَ النّفوذ، الملحقَ بالشّمّ وبالرّائحة، إنّه يهيّج ويضيء..