قال الله تقدست أسماؤه "الله ولي الذين ءَامنوا" [البقرة، 256]، وقال جل شأنه: "إن الله يدافع عن الذين ءَامنوا" [الحج، 36]، وقال: "وهو يتولى الصالحين" [الاَعراف، 196]، وفي الحديث القدسي الصحيح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنِ استعاذني لَأُعِيذَنَّهُ" وفي رواية: "من عادى لي وليا فقد آذنني بالحرب" فهذه النصوص والروايات في بيان مقام الولي، وجلال قدره، وعلو رتبته. ولعل خصيصة الولي الكبرى أنه خرج عن تدبيره إلى تدبير الله، وعن انتصاره لنفسه لانتصار الله، وخرج عن حوله وقوته إلى صدق التوكل على الله "ومن يتوكل على الله فهو حسبه"، وقال جلا وعلا: "وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُومِنِينَ" [الروم، 46]. وهذا كله؛ لأن هذه النخبة الممتازة جعلت الله تعالى مكان همومها كما في الأثر "عبدي اجعلني مكان همك أكفك كل همك" وفي الحديث "من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين" ومن عرف الله عز وجل سد عليه باب الانتصار لنفسه، وكيف ينتصر من الخلق من يرى الله متصرفا بهم قادرا عليهم، أم كيف يتركهم وهم قد ألقوا نفوسهم بين يديه مسلمين مستسلمين لما يريد منهم؛ فهم في معاقل عزه، تحت سرادقات حفظه، يصونهم من كل شيء إلا من ذكره، ويقطعهم عن كل شيء إلا عن حبه، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان في بعض غزواته وامرأة تطوف بحثا على ولدها، فلما وجدته أحنت عليه وألقمته الثدي، فنظر إليها الناس متعجبين فقال صلى الله عليه وسلم: "لله أرحم بعبده من هذه بولدها" ومن هذه الرحمة برز انتصار الحق لأوليائه، إذ قال عز من قائل: "الله ولي الذين ءَامنو" وقال: "إن الله يدافع عن اللذين ءَامنوا" ثم بين الحديث القدسي صفة الولي وعنوانه الأبرز وهو القيام بالفرائض التي افترضها الله على عباده "وما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم" والفرائض على قسمين ظاهرة وباطنة، فالظاهرة كالصلوات الخمس، والزكاة، وصيام رمضان، وبر الوالدين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها.. والباطنة كالعلم بالله، والحب له، والتوكل عليه، والخوف منه، والرجاء فيه، ونحو هذه المعاني، وهي أيضا تنقسم إلى قسمين أفعال وتروك. فثمة شيء أمرك الحق أن تفعله، وثمة شيء أمرك ألا تفعله، وقد جمع ذلك كله في آية واحدة "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى" فهذا أمر طلب الله منك أن تفعله ثم قال: "وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي"، وهذا أمر اقتضى منك أن تتركه، وغالبا ما يكون قيام العبد بالفرائض مقتطعا عن اختياره لنفسه راجعا إلى اختيار الله له، فأوجبت هذه الخصلة من القرب إلى الله ما لم يوجبه غيرها فلذلك قال: "ما تقرب إلي المتقربون بمثل أداء ما افترضته عليهم". وللحديث بقية عن خصال الولي ودرجته وخصوصيته، وكيف يترقى في منازل القرب ومراتب الكمال حتى يبلغ مقام الولاية الكبرى. يتبع في العدد المقبل..