1. المنطقة في العصرين القرطاجي والروماني قليلة هي المعلومات التي نعرفها عن منطقة سجلماسة خلال هذا العهد، ويرجع ذلك ربما إلى أن المنطقة كانت منعزلة، ولم تكن لها صلات تجارية مع المراكز الحضرية وخاصة الواقعة على السواحل الشمالية والغربية للمغرب الأقصى. ومن المعلوم كذلك أن القرطاجيين الذين اشتهروا بالملاحة البحرية وبالبحث عن المعادن، قد استقروا بشواطئ المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، ولم يهتموا كثيرا بالمناطق الداخلية وخاصة النائية منها مثل منطقة سجلماسة. هذه العوامل وغيرها تجعلنا أمام وضعية خاصة، إذ يبدو أن بعد منطقة سجلماسة فيما وراء جبال الأطلس وبمحاذاة الصحراء الكبرى، جعلها تبقى شبه منعزلة. "فمنطقة تافيلالت يمكن القول إنها ظلت تقاوم سلطة الأمراء الأمازيغ وظلت مجالا رعويا لقبائل الجيتول الرحل"[1]، على الأقل حتى فترة الاحتلال الروماني لموريتانيا الطنجية. وقد أدى هذا الاحتلال إلى هجرة القبائل الأمازيغية للاستقرار بمناطق جبال الأطلس والواحات الشبه الصحراوية ومنها بطبيعة الحال واحة سجلماسة. ولكن هذا لا يمكن استبعاد إمكانية أن المنطقة كانت عبارة عن نواة محطة تجارية تربط بين ضفتي الصحراء الكبرى، مما ترتب عنه ضرورة وجود علاقات تبادل بشكل أو بآخر مع المراكز القرطاجية الساحلية. ويذهب باحث أوربي إلى أبعد من ذلك حين يقول: "إنه ليس من البعيد أن المدينة المغربية القديمة سجلماسة كانت في أيام القرطاجيين أعظم مستودع لتجارة الذهب التي استمرت زمنا طويلا"[2]. والأصح أنه يقصد بذلك مدينة زيز التي اندثرت مباشرة بعد تشييد سجلماسة، كما جاء عند البكري[3]. فالمنطقة، في اعتقادنا لم تكن بمنأى عن التأثيرات القرطاجية وخاصة الحضارية والثقافية منها كما تعبر عن ذلك بعض اللقى الأثرية كالحلي التي تم العثور عليها ببعض مواقع ما قبيل تاريخية بالمنطقة، فضلا عن العادات والطقوس التي ظلت سائدة إلى وقت قريب بين بعض القبائل المحلية. ذلك أن تعليق التمائم في مدخل المنازل، وتقاليد رمي بقايا عظام أضحية العيد وغيرها كثير، كلها تعبير عن تأثيرات قرطاجية. أما الرومان فيمكن القول بأن اهتمامهم ببلاد المغرب ظل في بداية الأمر على الأقل، مركزا على المناطق الساحلية، فلم يعرف عنهم أي شغف بتجارة القوافل الصحراوية وأي اتصال بالمناطق المحاذية للصحراء الكبرى إلا فيما يرتبط بمحاربة الثائرين ضد حكمهم. كل هذا يجعل من الصعوبة تقبل فكرة وصول الرومان إلى منطقة سجلماسة وبالأحرى بناء مستوطنات لهم بها. يتبع في العدد المقبل.. -------------------------- 1. El-Mellouki (M): op-cit. p: 37. 2. ماك كوك دانييل، المرجع السابق، ص: 9. 3. البكري أبو عبيد الله، المصدر السابق، طبعة 1968، ص: 148.