إن من الخصوصيات التي يتصف بها العارفون بالله: محبة الله تعالى لهم. قال الناظم: فَحَبَّهُ الإلهُ وَاصْطَفَاهُ لِحَضْرَةِ القُدس وَاجْتَبَاهُ ومحبة الله تعالى لهم؛ أي رضاه عنهم وإقباله عليهم، ورفع الحجاب عن قلوبهم حتى صار التوحيد معنى قائما في نفوسهم لا يغفلون عنه، ولا يأنسون بغيره، ولا يأوون إلا إليه.. ففي حديث الولي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعادني لأعيذنه"[1]، فيكون التقرب بالنوافل سببا لصفاء باطن العبد، وارتفاع الحجاب عن قلبه، بل ويكون جزاء إقبال العبد عليه محبته له، وإقباله عليه، وارتقائه في درجات القرب من ربه، حتى يغطي وصفه بوصفه، ونعته بنعته.. فيصير سميعا بالله، بصيرا بالله، ومؤيدا بالله.. قال ابن عطاء الله في حكمه: "أخرجك من أوصاف بشريتك عن كل وصف يناقض عبوديتك، لتكون لنداء الحق مجيباً، ومن حضرته قريباً"[2]. فتغطية وصفه بوصفه مرتب على محبة الله إياه، وهذه المحبة مرتبة على التقرب بالعمل الصالح. وفي الحديث القدسي: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي"، فانظر ما بين النفس والنفس، "وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير من ملئه، وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت منه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة"[3]، وهو معنى حبه له، وكفى بالمؤمن شرفا وكرامة إقبال مولاه عليه ومحبته له.. قال حجة الإسلام: "محبة الله للعبد تقريبه من نفسه بدفع الشواغل والمعاصي عنه، وتطهير باطنه من كدورات الدنيا، ورفع الحجاب عن قلبه حتى يشاهده كأنه يراه بقلبه، وإرادته ذلك به في الأزل"[4]. وقال ابن عطاء الله في حِكمه: "لولا أنك لا تصل إلى الله إلا بعد فناء مساوئك، ومحو دعاويك، لم تصل إليه أبدا، ولكن إذا أراد أن يوصلك إليه، ستر وصفك بوصفه، وغطى نعتك بنعته، فوصلك إليه بما منه إليك لا بما منك إليه"[5]. ومحبة الله لعبده واجتباؤه واصطفاؤه لحضرة قدسه، كل ذلك مرتب على إقبال العبد على سيده بإقامة الحقوق، والإعراض عن كل مخلوق، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله العبد من نفسه، ومن كان لله كان الله له حسبما اقتضاه وجود حكمته. فكيف يطمع في الوصول إلى المحبة من ليس له حصول المجاهدة! ---------------------------------------- 1. من حديث البخاري، كتاب الرقاق، ح: 6021. 2. غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية لابن عباد الرندي، ص: 52. 3. أخرجه البخاري في الصحيح، كتاب التوحيد، ح: 6856. 4. إحياء علوم الدين لأبي حامد الغزالي، ص: 4/256. 5. غيث المواهب العلية في شرح الحكم العطائية لابن عباد الرندي، ص: 175.