التصوف على "طريقة الجنيد السالك" حَسب ما سُطِّر في منظومة فقيه القرويين ابن عاشر، ووِفق ما تَوارث في الأمة، يتقعّد على ثمانية شروط ومبادئ. المبدأ السادس في طريق التصوف: الإكثار من الذكر(3): وللذكر منافع كثيرة، وفوائد عظيمة، وفضائل فريدة، وثمار غزيرة، آجلة وعاجلة، وهي لا تحصل إلاّ بكثرته والمداومة عليه، نقتصر منها على ما به الحاجة وتقوم به الحُجّة: • قال تعالى في كتابه العزيز: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" [البقرة، 151]، فلو لم يرد في فضل الذكر إلا هذا النص لكان فيه اكتفاء وغنية، حيث لم يجعل جزاء ذكرِه إلا ذكره..، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي؛ فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ"[1]. • الذكر يورِّث المَعِيّة والقرب من المذكور، قال الله تعالى في الحديث القدسي: "أنا جليس من ذكَرني"[2]. • الذكر يُنجي من عذاب الله، فعن معاذ رضي الله عنه مرفوعا: "ما عمل آدميّ عملاً أنجى له من عذاب الله عز وجل مِن ذكر الله تعالى"[3]. • والذكر مِن أعظم الحسنات التي تُذهب الخطايا وتمحي السيئات؛ قال تعالى: "إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذاكِرِينَ" [هود، 114]. • والله يَعِدُ الذاكر مغفرة وأجراً عظيماً، قال سبحانه: "وَالذاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" [الاَحزاب، 35]. • والله تعالى يَتوَعّد المُعرض عن الذكر بضيق القبر وعذاب الآخرة، فقال سبحانه: "وَمَنْ اَعرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامةِ أَعْمَى" [طه، 122]. • الذكر يُليِّن القلب، ويُيسِّر الإقبال على الله، ويُديم حياة القلب ويرسّخ الإيمان فيه، فهو شجرة تثمر المعارف والأحوال، قال سبحانه: "الَذِينَ ءَامَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" [الرعد، 29]. • الذكر جَنّة قَبْل الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا مَرَرْتُم برياض الجنة فارتعوا، قالوا وما رياض الجنة؟ قال: حِلَق الذكر"[4]. • الذاكرون هم أهل السبق، روى الإمام مسلم في صحيحه عنْ أَبِي هريْرةَ قَال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فمَرَّ على جبل يقال له: جُمْدان فقال: سيروا هذا جُمْدان، سبق المفردون، قالوا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: "الذَّاكِرُونَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَات"[5]. • الذاكرون هم أولوا الألباب، وماذا بعد اللب إلا القشر، وأين ذووا القشور من ذوي الألباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم، قال سبحانه: "اِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ءَلايَاتٍ لِأُولِي الاَلْبَاب، الَذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ" [اَل عمران، 190-191]. • الاشتغال بالذكر أفضل من الدعاء، ففي الحديث القدسي: "من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين"[6]. الذكر يَطْرُد الشيطان ويكسره، قال سبحانه: "وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين" [الزخرف، 35]، وقال كذلك: "اَسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ" [المجادلة، 19]. وقد أجمل صاحب الحكم أفضال وكرامات الذاكر في قوله: "أكرمك كرامات ثلاث: جعلك ذاكرا له، ولولا فضله لم تكن أهلا لجريان ذكره عليك، وجعلك مذكورا به؛ إذ حقق نسبته لديك، وجعلك مذكورا عنده فتمم نعمته عليك". --------------------------------------- 1. صحيح البخاري، كتاب التوحيد، ح: 7405. 2. المقاصد الحسنة، السخاوي، ح: 183. 3. صحيح الترغيب والترهيب للألباني، مكتبة المعارف، الرياض، 2000م، (1/111). 4. سنن الترمذي، (5/355). 5. صحيح مسلم، دار ابن حزم، ص: 1439. 6. رواه الترمذي في السنن، كتاب: فضائل القرآن، ح: 2926.