قال الله سبحانه وتعالى: "أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِيِّ يَغْشَهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ اِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرهَا وَمِن لَّم يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ" [النور، 39]. يُشَبه الله سبحانه وتعالى ظلمات الجهل التي تغشي قلب الإنسان الكافر، بالظلمات السائدة في الطبقات السفلى من البحار العميقة. فهل البحار العميقة لا تصلها أي نسبة من الأشعة الشمسية؟ وهل هناك موج في أعماق المياه البحرية؟ ظلمة البحر اللجي أظهرت الأقمار الاصطناعية أن غالبية البحار والمحيطات تكون مغطاة بالسحب، وتكون في الغالب ركامية كثيفة، تحجب قسطا هاما من أشعة الشمس، تعكس أمواج البحار السطحية جزءا من الضوء الباقي، ويمتص الماء الجزء الآخر بشكل يجعل الضوء يتناقص كلما ازداد عمق البحر. تمتص المياه السطحية اللون الأحمر والبرتقالي إلى عمق يقارب عشرة أمتار، ثم يتم امتصاص اللون الأصفر على عمق عشرين مترا بحيث لا يمكن رؤية الأشياء ذات اللون الأحمر والبرتقالي والأصفر. وعلى عمق ستين مترا عن سطح البحر تمتص المياه بقية الألوان. يشتد الظلام بعد عمق مئة متر حيث لا يسود إلا السواد الحالك، فحيوانات البحر اللجي مزودة بنور ذاتي يساعدها على الإنارة: "وَمِن لَّم يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ" [النور، 39]. يقول جان بيكار الذي هبط بغواصته إلى أعماق 11 كم في هوة ماريانا في المحيط الهادي "أن أعماق البحار تشبه السماء ذات النجوم المتلألئة، بسبب الأسماك المضيئة". الأمواج الداخلية ففي عام 1973م اكتشف علماء البحار الأمواج الداخلية في عمق المياه، ويبلغ طول هذه الأمواج 10 كلم، وارتفاع سماكتها آلاف الأمتار، والمسافة التي تفصل بين الموجة والأخرى 4 كلم. والغريب في الأمر أن هذه الأمواج الداخلية الضخمة لا تتواجد إلا في البحار العميقة وهي لا ترى مباشرة بالعين. واكتشفت الأبحاث العلمية كذلك وجود تيارات سطحية وأخرى عميقة.. ترتفع درجة المياه السطحية الموجودة في خط الاستواء فيتكون تيار يتجه نحو القطبين، بينما يبرد الماء بهما فيغوص في أعماق البحار ويتجه نحو خط الاستواء. تتولد التيارات السطحية بفعل الرياح على الخصوص، لكن التيارات العميقة تنتج من اختلاف في الكثافة بفعل فارق الحرارة والملوحة بين المياه السطحية والعميقة. وأكدت الدراسات العلمية وجود قسمين منفصلين من المياه البحرية: بحر سطحي وآخر عميق يبتدئ على عمق 400م، وهما يختلفان من حيث درجة الحرارة والإضاءة والكثافة ونوعية الكائنات الحية الموجودة بهما. إن التأمل العميق في جوهر ومضمون هذه الآية العظيمة، يجعلنا في الحقيقة نسبح في بحار الحكمة الربانية، بإمعان وتدبر، فهي سَبْق علمي أوحى به الخالق الباري لنبيه الأمين الأُمي، في الوقت الذي لم يكن فيه لأحد من البشر امتلاك مجموعة من الإمكانيات والوسائل المتطورة التي تبين ما أشارت إليه الآية الكريمة من حقائق علمية ومعرفية. وهي بذلك دليل آخر ودلالة واضحة على صدق النبوة المحمدية النورانية الحكيمة، التي تخرج المرء من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة. المراجع: 1. عدنان الشريف، من علوم الأرض القرآنية، "الثوابت العلمية في القرآن الكريم"، دار العلم للملايين، بيروت-لبنان، الطبعة الثالثة، 2000م. 2. نادية الطيارة، موسوعة الإعجاز القرآني في العلوم والطب والفلك، الجزء الثاني، الطبعة الأولى، مكتبة الصفاء أبو ظبي، 2007م. 3. ماهر أحمد الصوفي، الموسوعة العلمية الكبرى، آيات الله في نشأة الحياة على الأرض وظهور الإنسان وفي البحار والمحيطات والأنهار، المكتبة العصرية صيدا-بيروت، 2008م. 4. Marie Guillaume-Signoret (IRD), la renverse surprenante des courants marins profonds du pacafique tropical,Actualité scientifique, fiche N°251- Octobre 2006.