2. نقد مفهوم المنفعة في الاقتصاد الوضعي تعتبر المنفعة من منظور الاقتصاد الوضعي مفهوما غير محدد، فهو مفهوم ذاتي يرتبط بشخصية المستهلك، ومن ثم فقد يرى شخص في سلعة ما منفعة، ويرى آخر غير ذلك، فتصبح السلعة اقتصادية في نظر البعض، وغير اقتصادية في نظر البعض الآخر. فالخمر والحشيش هي سلع نافعة عند الاقتصاديين مادام الناس يرغبون فيها، وكانت صالحة لإشباع الحاجات المحسوسة[1]. فالمنفعة في المنظومة الاقتصادية الغربية هي ما جلب لذة أو دفع ألما نفسيا، وهي بذلك تتغير بتغير أذواق الناس، وهذا المفهوم يخالف المفهوم الموضوعي للمنفعة في الاقتصاد الإسلامي، فالمنفعة من منظور الاقتصاد الإسلامي هي ما جلب منفعة ودفع ضررا شرعيا، فتقدير النفع والضرر الشرعيين هو المعيار الحقيقي لتحديد المنفعة من منظور إسلامي، ولذلك اعتبرت المنفعة نسبية لا مطلقة وفي ذلك يقول الشاطبي: "إن المنافع والمضار عامتها أن تكون إضافية لا حقيقة، ومعنى كونها إضافية أنها منافع أو مضار في حال دون حال، وبالنسبة إلى شخص دون شخص، أو وقت دون وقت، فالأكل والشرب مثلا منفعة للإنسان ظاهرة ولكن عند وجود داعية الأكل، وكون المتناول لذيذا طيبا، لا كريها ولا مرا، وكونه لا يولد ضررا عاجلا ولا آجلا، وجهة اكتسابه لا يلحقه به ضرر عاجل ولا آجل، ولا يلحق غيره بسببه أيضا ضرر عاجل ولا آجل"[2]. إن المنفعة من منظور الاقتصاد الإسلامي مرتبطة بالمصالح والمفاسد، فالميزان الحقيقي للمنفعة يتوقف على المقارنة الدقيقة بين النفع المتصور للأشياء أو الضرر والمفاسد المقدرة لها. وهذا المعيار له دور كبير في تحديد منفعة السلعة، فقد تكون الأشياء ذات نفع مادي أو معنوي يتصوره الناس ولكن تتسبب أيضا في أضرار ومفاسد تلحق بالبدن أو العقل أو الدين[3]، يقول سبحانه وتعالى: "يسئلونك عن الخمر والميسر، قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس، وإثمهما أكبر من نفعهما" [البقرة، 217]. وهكذا تتهاوى نظرية المنفعة لأنها تستبطن الجانب المادي في الإنسان، ولا تلتفت إلى الجانب الأخلاقي أو الديني، ولذلك لا عجب إن رأينا البحث عن أقصى قدر ممكن من المنفعة في السلوك الاستهلاكي الغربي مادام الناس يفتقدون الموجه الحقيقي الذي ينضبط به هذا السلوك. 3. نقد عقلانية المستهلك في الاقتصاد الوضعي تقوم جل النظريات الاقتصادية لسلوك المستهلك على افتراض أن المستهلك رشيد يعرف دخله وما يحتاجه من سلع وخدمات، فهو يميز بين أنواع السلع من أجل تحقيق أقصى قدر من الإشباع المادي. والقول برشد المستهلك المطلق أمر لا يقره الإسلام، فقد رسمت الشريعة الإسلامية الطريق السليم الذي ينبغي أن يسير عليه المستهلك، كما بينت أن سلوك المستهلك قد ينحرف تحت تأثير بعض المؤثرات والمغريات[4]. وبالتالي تكون اختياراته الاقتصادية غير رشيدة يؤكد هذه الحقيقة قوله تعالى: "زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والاَنعام والحرث، ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المئاب" [اَل عمران، 14]. فمفهوم الرشد في الإسلام يتم في إطاره الشرعي، حيث يلتزم المستهلك بالتوجيهات والضوابط التي وضعها الإسلام ليستنير بها في سلوكه. فالإسلام حرم الإسراف والتبذير وقيد تصرفات السفيه، وحث على الاعتدال في الإنفاق، كما حرم استهلاك السلع والخدمات الضارة، وهذه المبادئ توجه سلوك المستهلك، وترسم له المعالم الصحيحة ليتقيد بها. أما الاقتصاد الغربي فيقوم على أساس سيادة المستهلك حيث الحرية المطلقة، فيتصرف المستهلك كيف شاء دون الخضوع لضوابط أو توجيهات، فهو يسعى لتحقيق أقصى قدر من المنفعة، وليست هناك حدود عليا للاستهلاك. ويترتب عن القول بعقلانية المستهلك من منظور الاقتصاد الوضعي أن المستهلك يتوازن عندما يحصل على السلع والخدمات التي تحقق له أقصى إشباع لرغباته، لا يراعي في ذلك إلا دخله المتاح وأسعار السلع في السوق،فهو لا يهتم بطبيعة السلع التي يقتنيها هل هي طيبة أم خبيثة؟ نافعة أم ضارة؟ وهل تجاوز في ذلك حدود الاعتدال والقوام؟ أو هل حصل عل حد الكفاية أو دون الكفاية؟ وهل أنفق المستهلك دخله أولا على الأشياء الضرورية أم أنفقه على الكماليات؟ إن مفهوم التوازن في المنظومة الاقتصادية الغربية لا يعبر عن حقيقة التوازن بل إنه يعكس اختلال التوازن من منظور الاقتصاد الإسلامي[5]. ----------------------------------------------------------- 1. الاقتصاد الرأسمالي في مرآة الإسلام، محمود الخالدي، ص: 30 الطبعة الأولى 1404 ه - 1984 دار الجيل، بيروت. • الاقتصاد الإسلامي، حسين غانم، ص: 39. 2. الموافقات للشاطبي، ج 2 ص: 26. 3. علم الاقتصاد الإسلامي، عبد الرحمان يسري، دار الجامعات المصرية 1988. 4. مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، سعيد سعد المرطان، ص: 108. 5. مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام: سعيد مرطان، ص: 117-108. • الاقتصاد الإسلامي، حسين غانم، ص: 46-45. • علم الاقتصاد الإسلامي، عبد الرحمان يسري أحمد، ص: 40.