لا يخفى على لبيب أن التراحم والاتصاف بصفة الرحمة قيمة أخلاقية، ومبدأ من المبادئ الكلية، وسمة حضارية؛ لها أثرها البالغ في الحياة الاجتماعية، ودورها الكبير في إشاعة روح التضامن والتكافل والترابط بين الناس. وهو من أهم أسباب ترابط المجتمع الذي ندب له الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم أن يكون كالبنيان في تماسكه وتلاحمه، ففي الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا" وزاد البخاري: "ثم شبك بين أصابعه..". وفي صحيح مسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، ففي الحديث تنبيه إلى أن التراحم بين المؤمنين من أهم مظاهر الوحدة ومرقاة لوصول الأمة إلى تحقيق مفهوم الجسد الواحد، مع التوادد والتعاطف. وخلق الرحمة من أعظم الأخلاق المحمدية، والشمائل المصطفوية، قال تعالى: "لقد جاءكم رسول من اَنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمومنين رؤوف رحيم" [التوبة، 128]، فهو نبي الرحمة، ومن يتتبع سيرته العطرة يجده صلى الله عليه وسلم رقيقا رحيما في تعامله مع الناس، ولا غرو في ذلك؛ فأعظم مقاصد بعثته صلى الله عليه وسلم رحمة العباد "وما أرسلناك إلا رحمة للعلمين" [الاَنبياء، 107]. نسأل الله أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء