إن فعل القراءة في عالم الإنسان وفي دنياه أصبح بحمد الله ممكنا بإقدار الله -عز وجل- لهذا الإنسان على هذه القراءة؛ وتجلّي هذا الإقدار في الجانب المنظور كان من خلال الأسماء وتعليمها: "وعلم ءادم الاَسماء كلها" [سورة البقرة، جزء من الآية:31]. ورضي الله عن سيدنا عبد الله بن عباس حين قال: "علمه حتى القصعة والقُصيعة"، والعلماء، وعلى رأسهم بهذا الصدد أبو الفتح ابن جني، على أن المقصود ب "علّم ءادم الاَسماء كلها" هو إقداره على تسمية الأشياء. وهذا الإقدار هو الذي يُمكّن الإنسان من تفصيل وتفكيك المجملات؛ بحيث يستطيع أن يأتي إلى مجمل ويفككه، وكل جزء ينتج عنده، وينجم من هذا التفكيك، إلا ويكون قادرا على إعطائه اسما؛ فيضبطه في مكانه من خلال هذا الاسم، وهكذا يستمر في التفكيك، ويكون بعد ذلك، من خلال هذه الصُوَى والمعالم الأسمائية، قادرا على التركيب؛ أي أنها قراءة في اتجاهين: تفكيكا وتركيبا، قراءة قد أصبحت ممكنة بسبب هذه القدرة على الأسماء. أما في الجانب الذي هو جانب الكتاب المسطور، فنجد الكلمات، وذلك في قول الله عز وجل: "فتلقى ءادم من ربه كلمات" [سورة البقرة، جزء من الآية: 37]؛ هناك إذن الأسماء في الكتاب المنظور، وهناك الكلمات في الكتاب المسطور، وهناك كذلك المواءمة بين الإنسان وبين الكتابين، وهي مواءمة كانت ممكنة بسبب الدمغة الأولى والفطرة الأولى: "فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون"؛ [سورة الروم، الآية: 30]. والله الهادي إلى سواء السبيل الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء