الإنسان هو المخلوق المتفرد الذي حمل الأمانة إذ أبت السماوات والأرض والجبال أن يحملنها: "اِنا عرضنا الاَمانة على السماوات والاَرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الاِنسان إنه كان ظلوماً جهولاً" [سورة الاَحزاب، الآية: 72]، وهي أمانة المحافظة على الصلاح الأصلي الذي في الكون وعلى ما يعززه من قوانين وسنن جاء بها الوحي. وذلك عن طريق تحقيق البر، بإضافة الصلاح إلى الوجهة إلى العمل/ الحركة، نحو القبلة ابتغاء وجه الله، هو إذن ابتلاء ينجم عنه حسن العمل، والذي هو الفلاح في تحقيق البر، أو عدمه، الذي هو الهوي عبر دركات الإفساد: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً" [سورة الملك، الآية: 2] "اِنا جعلنا ما على الاَرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملاً" [سورة الكهف، الآية: 7] إنه ابتلاء "مؤقت" ينقضي بانقضاء أمد الحياة الدنيا، وطي السماوات، وهو ابتلاء لا حد لتمظهراته، إذ لا حد لتحديات المحيط الذي درئ فيه الإنسان، والذي سواه باريه على شاكلة لا تنتهي فيها التحديات التي يطرحها عليه، رغم المواءمة الموجودة بينه (الكون) وبين هذا الإنسان وكونه مسخراً له، وهي تحديات يقدر الإنسان على تجاوزها بما قومه به ربه من تقويم أحسن، ومن هدى لا خوف ولا حزن على متبعه: "لَقد خلقنا الاِنسان في أحسن تقويم" [سورة التين، الآية: 4] "قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والاَبصار والاَفئدة قليلاً ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الاَرض وإليه تحشرون" [سورة الملك، الآيتان: 23-24] "فإما ياتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" [سورة البقرة، الآية:37] لقد ابتدأ ذرء الإنسان في محيط التحدي بالقرار الصمداني القاضي بجعل الإنسان خليفة: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الاَرض خليفة" [سورة البقرة، الآية: 29] فهو خليفة لله وليس عنه، إذ سبحانه هو الغني، وخلافة الإنسان تستمد وجودها من جعل الله، وتستمد إمكانيتها من طبيعة الإنسان التي هي من جعل الله أيضاً، تلك الطبيعة المميزة للإنسان عن سائر المخلوقات. إن الخلافة ليست في حق الإنسان عملية تعويضية، وإنما هي استئمان مؤقت خطير بحجم الإمكانات التي زود بها الإنسان، إمكانات تنبثق منها مسؤولية الإنسان المنبنية بالأساس على قدرته فرداً وجماعة على اختيار وجهته: "ولكل وجهة هو موليها" [سورة البقرة، الآية: 147]. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء