موضوع الطفل والتربية، موضوع جدير بالاهتمام؛ لأنه يمس ركيزة هامة من ركائز المجتمع التي هي الطفل، ولذلك كان علم التربية علما خاصا بالطفل يتتبع مراحل نموه من نشأته الأولى إلى أن يمر بالتحولات المختلفة التي تقضي به إلى سن الشباب. فالتربية عملية نمو وعمل تمارس على الكائن البشري المتميز بخصائصه وكيانه المستقل، تحاول أن تصل به إلى مستوى مثالي في التربية الجسمية والعقلية والوجدانية. إن تطور المفاهيم التربوية أدى إلى مفاهيم اكتشاف أنجح الوسائل لتنشيء مواطن ناجح في الحياة يستطيع تحقيق ذاته في المجتمع الذي يعيش فيه، غير عابئ بما قد يتعرض طريقه من مشاق وعوائق يعرف كيف يواجه الفشل إذا تعرض له، وفي نفس الوقت يستطيع تحقيق سعادته. لقد أدى هذا التطور في المفاهيم التربوية إلى النظر إلى الطفل كطفل ليس إلا، بحيث نحقق له ونحن نربيه رغبته في استكمال نموه وتنمية قدراته، حتى ينشأ إنسانا سويا خاليا من العقد، مندمجا في مجتمعه؛ لأن الذات لا تترعرع ولا تنتعش إلا إذا تمكنت من معرفة كيف تلاءم نفسها مع الغير، وكيف تشعر بالسعادة عندما تقدم عملا يهم المجتمع، ولذلك وجب أن تتلاءم برامج التعليم مع الحياة. والمدرسة التي تأخذ برامجها من الحياة تتحدد مواقفها في أنها تعكس الحياة الواقعية على ما تقدمه لتلاميذها من مواد، وتعدهم لمستقبل يلاءم كثيرا المجتمع الذي يوجدون فيه، وعلى هذا الأساس قامت المدارس الحديثة التي تأخذ بنظام الحياة من أجل الحياة. فتطورت أساليب التعليم فيها وصبغته بالصبغة العملية، يدفعها الإيمان إلى أنها الطريقة المثلى لإعداد المواطن النافع. ومن البديهي المعروف أن أطفال اليوم هم رجال المستقبل، ومن الطفولة إلى الرجولة ينبغي إيجاد وسيط للانتقال بين المرحلتين، هذا الوسيط هو المربي الجديد الذي يكون ذا تكوين صالح ومعرفة بحاجيات الطفل النفسية والعقلية والاجتماعية، وما يشتمل عليه تكوينه البيولوجي والفسيولوجي من رغبات وميول. إن المربي الجيد يركز العملية التربية على مراعاة الفروق الفردية بين أطفاله، لأنها من الأسس اللازمة لإيصال الفائدة لكل فرد حسب طاقته وقابليته وعلى المربي الجيد أيضا أن يسعى إلى إعداد الطفل ليكون متلائما مع الغير، محترما له، مقدرا لمعنى النظام وتحمل المسؤولية، وأن ينمي فيه روح الابتكار والتجديد، ويربي فيه استقلالية الذات، حتى لا ينشأ إمعة لا رأي ولا تدبير له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أساءت، ولكن وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا، وأن تجتنبوا إساءتهم" رواه الترمذي. إن الطفل يتعلم بواسطة المحاولة والخطأ، وهذا يدفع بالمربي إلى إثارة اهتمامات الطفل عن طريق الملاحظة والتجريب، فإذا تيسر له ذلك كان بالفعل مربيا جيدا وناجحا، ولا يهم أن تكون طريقته في الوصول إلى ذلك تختلف عما هو ملزم به؛ لأن ما بني عليه عمله أساس صحيح، ونجاحه يكون أكيدا. أما المربي الفاشل فقلما يستهدف الطفل، وغرضه الأكيد حشو الذهن بالجيد والرديء وبالمفهوم والغامض، والاهتمام عنده إنما هو بنتيجة الامتحان ورفع النسبة المئوية، حتى ولو كانت غشا وكذبا وحينئذ تكون النتيجة ذات مظهرين سيئين: الأولى جنايته على أولئك البرءاء، والثاني الإعلان الواضح عن فشله في أكبر عملية في الحياة يتوقف عليها مستقبل الأجيال. الخميس فاتح جمادى الثانية 1413ه الموافق 26 نونبر 1992م