تشكل الظرفية الحالية سياقا سانحا لإطلاق منحى استراتيجي جديد في عملية التقارب المتعددة الأبعاد بين الدول الستة لمجلس التعاون الخليجي والمغرب الذي أضحى يؤكد موقعه كمحور اقتصادي ومركز للتقاطع بين القارات. ويمكن التأكيد على أن التعاون الاقتصادي والمالي بين المغرب ومجلس دول التعاون الخليجي تغير شكله على مدى العشر سنوات الأخيرة وهو سائر في التقدم بفضل الشراكة الاستراتيجية 2012-2017. إذ أن الاقتصاد المغربي وصل اليوم ، أكثر من أي وقت مضى، إلى مرحلة من النضج والتنمية المتقدمة. ونجحت المملكة ببراعة في عملية الإقلاع الاقتصادي بفضل الجهود المبذولة لتعزيز اقتصاد مستقر وشامل ومجتمع أكثر انفتاحا، عبر تبني مجموعة من الإصلاحات الهيكلية والمؤسساتية، منذ سنة 2000، والتي تهدف على الخصوص، إلى تحسين الأداء المتعلق بالإنتاج، والمصادقة على دستور جديد، وتعزيز مبادئ الحكامة الجيدة، وتكثيف وتحديث شبكة البنيات التحتية فضلا عن تنمية الاستثمار الخاص. وأمام هذه العوامل لم يخف مستثمرو دول مجلس التعاون الخليجي رغبتهم في نسج علاقات شراكة مع المغرب، كما يبرهن على ذلك الحجم التصاعدي للاستثمارات والمصالح المشتركة، والاتفاقيات المتعددة والمنح المالية المقدمة للمغرب والتي تقدر بحوالي 5 مليار دولار. وأشار التقرير الاقتصادي والمالي المرافق لمشروع قانون مالية 2016، أن الحجم الإجمالي للاستثمارات الخليجية بالمغرب وصل، خلال العشر سنوات الأخيرة، إلى 5 مليار دولار، منها 2,5 مليار دولار في طور الإنجاز، بالإضافة إلى المساهمات التمويلية لدول مجلس التعاون لفائدة مشاريع في قطاعات الفلاحة و السياحة والعقار والبناء. كما ارتفعت المبادلات التجارية بين المغرب ودول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 11 بالمائة كمتوسط سنوي لتستقر عند 28,6 مليار درهم سنة 2014، ممثلة بذلك 4,9 بالمائة من المبادلات الإجمالية للمغرب مقابل 3,6 بالمائة سنة 2000. وفي هذا الإطار، تعد المملكة العربية السعودية أول شريك تجاري للمغرب في منطقة الخليج، حيث بلغت قيمة وارداتها 920 مليون درهم، أي ما يعادل 52,4 بالمائة من مجموع دول المنطقة، تليها الإمارات العربية المتحدة ب589 مليون درهم بحصة 33,5 بالمائة. وبلغت قيمة التدفقات المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من مجلس التعاون الخليجي، سنة 2014، نحو 10,2 مليار درهم، مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 82 بالمائة مقارنة مع سنة 2013، بحصة 28 بالمائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى المغرب مقابل 14 بالمائة سنة 2013. وبين سنة 2006 و2014، راكمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من دول الخليج حوالي 57 مليار دولار، موجهة بذلك 19 بالمائة من إجمالي هذه الاستثمارات إلى المغرب. وتتصدر الإمارات العربية المتحدة قائمة هذه الاستثمارات (44 بالمائة من التدفقات الاستثمارية بين 2006 و2014)، ثم المملكة العربية السعودية (38 بالمائة) وهي موجهة أساسا إلى قطاعات السياحة والعقار والطاقة. وتعكس هذه الأرقام إرادة الطرفين على المضي قدما في إرساء شراكة اقتصادية تنهل من معين المؤهلات والآفاق الواعدة المتاحة لتنمية روابط التعاون الاقتصادي. وعلى هذا الأساس، ينتظر اتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي أن تتجاوز الاستثمارات الخليجية في المغرب 120 مليار دولار على مدى ال10 سنوات المقبلة، لا سيما في قطاع الصناعة والسياحة و الزراعة والطاقة، في الوقت الذي تشهد فيه هذه الاستثمارات تطورا بنسبة 24 بالمائة سنة 2012 مقارنة مع 2011. وبالإضافة إلى الهيدروكاربورات والاتصالات، تشكل السياحة والعقار أحد القطاعات التي تجذب استثمارات الشركات الخليجية، خاصة شركة القدرة القابضة الإماراتية، وشركة الديار القطرية للاستثمار العقاري، والصندوق البحريني "بيت التمويل الخليجي" ومجموعة عارف الكويتية للاستثمارات. وقد لامست الاستثمارات المباشرة الشرق أوسطية، مؤخرا، قطاعات جديدة مثل الزراعة والنقل الجوي والصحة. ففي مجال النقل الجوي، تم إحداث الشركة العربية للطيران التي تعمل بالمملكة، وهي شركة طيران مغربية خاصة أسستها كل من مجموعة بنصالح وفينانس كوم والمجموعة الإماراتية العربية للطيران، فضلا عن شركات خليجية أخرى كالإمارات والخطوط الجوية القطرية والاتحاد للطيران. وحسب خبراء، سيربح المغرب الكثير من وراء إعادة توجيه الاستثمارات الواردة من دول مجلس التعاون الخليجي نحو قطاعات أخرى واعدة وذات إمكانيات عالية كالصناعات الغذائية والسيارات والتكنولوجيات الجديدة. كما سيستفيد المغرب من خلال توفير الظروف الملائمة المساعدة على تموقع أفضل للقطاع الخاص المغربي، مما سيمكنه من دخول أسواق دول مجلس التعاون والشرق الأوسط، القوية بتعدادها السكاني (49 مليون نسمة).