وهو الذي يعرف كيف تكون البدايات للاندماج في حياة العصر، والشباب الحق هو الذي يعيش عصره وما يدور فيه من تيارات ويفهم ما يدور حوله، والذي أوصل شباب العالم إلى مكانته العالية هو بدون شك موهبة صقلتها الدراسة وإتقان فن التعامل مع الواقع، وهذا هو السر في نجاحاته مع الثقة بالنفس، والتلقائية المطلقة والواقعية المحكومة بتصميم وتفكير ومنطق. وأقول بكل صراحة: فاحتكاك الشباب العميق مع الآخر، هو الطريق الوحيد الصالح لتبليغ الرسالة ذات القيمة الفاهمة، والتجاوب للتعايش مع كل الأجناس، يعيش معها ويرعاها، وتلك هي أسعد حياة الشباب الطامح إلى المجد والسؤدد الإنساني والصورة الصادقة لعصره في كل النواحي، لتطوير سفينة الحياة الماخرة الحديثة، ومهما يكن فهو مفخرة للبشرية وسلامتها، وعلى الإنسان في سبيل التعارف والتراحم أن لا يدع للقطيعة سيطرة على فكره، ومن خلال التلاقي يكون وجود الشباب بين الطرفين فاعلا مؤثرا، يرى آثاره في أكثر من مجال كظاهرة حضارية، ليسلم الجميع من سموم الأحقاد التي تتأجج في الصدور الكاشحة، كإيذان بنهاية زمهرير العواصف التي دمرت عبر قرون حبل الوصال، لتستعيد البشرية سلامتها بعد تلك الأزمات الرهيبة التي تركت بصماتها الصاعقة، من الكراهية التي كانت عائقا ومحطما للحلم الإنساني. وأعمار الشباب لا تقاس بعدد السنين، ولكن بما تحفل به هذه السنون من عطاء يثري الحياة البشرية وينميها، وتسلق المواقف الوعرة يحتاج إلى خطى حذرة متمهلة، لإنقاذ عالم يغرق في أمواج الجهل والفقر والتصارم، والإدراك السليم شيء فطري عند الشباب، والقدر الكافي منه هي العبقرية الخلاقة الواثقة من الإبداع الخصب الذي يغني الحاضر ويبني المستقبل الحي لتتنفس البشرية الصعداء من أزمة موانع وكوابح ضاغطة، ومن المفارقات العجيبة والعظيمة وسط الركود والخمول يتجلى فضل الله بتأجج نشاط الشباب وهاجا أخاذا، ليلقي على الوجود الإنساني أنوارا مستحدثة تخرج البشرية من المكرور المأفون، والجبن والإثم والنفاق، ولولا الشباب لما تشكل هذا الحصن المتفهم الذي وهب البشرية أعينا تديرها مستطلعة أحوال الأمم، للتعرف على عوامل النضج في المجتمعات، وتقدم وسائل الحياة الجادة وأساليبها، واليقظة التامة في استخدام أمثل للعلم والتكنولوجيا للركوب مع المبحرين موجة التحضر الإنساني. والكرامة الإنسانية التي يسعى الشباب أن تأخذ مجراها الحقيقي على وجه الأرض، يريدها أن تبقى دائما فوق حملات الجهل التي تؤرق خواطر الشباب، ذلك لأن الكرامة الإنسانية هي المهمة التي لا تستقيم سائر المهمات بدونها، ويوم توضع الكرامة الإنسانية في موضعها الصحيح، ويتفهمها الناس حق فهمها، آنئذ سيتحرك العقل كما يتحرك الوجدان واللب لربط الإنسان بعصره وزمانه، وجعله يصل إلى الإدراك الكلي الشامل للأشياء بما هو أوسع وأشمل، واتساق وتكامل، والتوق إلى المزيد بما هو حي وجذاب، وبما يوفر للإنسانية فردوسا تعرف فيه المتعة والحبور، بإبداعات تكشف حجب الحقائق، ويوم تملك الأجيال المتعاقبة المفتاح الذي يدفع بالدم في شريان الحياة المتهالكة، تندفع عجلة التطور إلى الأمام، ولا سبيل بعد ذلك إلى الوقوف في وجهه أبدا أو دفعه إلى الوراء، مما ينبئ أن هذا التطور يمثل للبشرية حقلا واسعا يستفيد الحاضرون واللاحقون من ثمرته التي غرس شجرتها السابقون. ولعلي لا أبالغ إذا قلت: أن لكل عصر شبابه وآلياته، ومهما يكن من أمر؛ فإن إنجازات الشباب ليس لها نهاية، ولذلك فاعتقادي الجازم أن حركة الشباب أفضل بكثير من سكون الشائخين الذين خارت قواهم البدنية والعقلية، وحسبك من الشباب في هذه الحياة ضمائر نقية، وأنفس مطمئنة وقلوب شريفة وعمل بالأيدي، وسمعة طيبة، ولديه الكثير مما يطرحه من مشروعات لمعرفة أسرار هذا الكون، وفك رموز ألغازه لتحسين مستوى البشرية والانتصار على التحديات، ولملمة بقايا ما خلفه الأقدمون وما أوجده المحدثون، وتفكيك الظواهر الكونية المعقدة المتشابكة إلى خيط وحيد رائد، لردم الهوة السحيقة التي حفرها التخلف للعبور إلى مستقبل جديد بانطلاق مدروس، وإلى إيجاد أفكار تسري إلى أرض الواقع بأيد وعقول، تحملها لتبلغ بها إلى منتهاها ومبتغاها، وهكذا يتغير مجرى التاريخ الإنساني، وكما أراد الله أن يجري على أيدي الشباب صاحب القلب الخفاق، بكل ما تخفق به الأكوان في هذه الطبيعة من أسرار، بفكره الفتاق العملاق، أكثر تحليقا في أرجاء الدنيا يناجي أترابه عند الآخر في حب واعتناق، يرقى بالمناجاة إلى ما يسعد أبناء وبنات آدم، وإن طبيعة الإنسان في عناق التأمل الفاهم، والغوص في صلابة وإصرار ليحرك هوامد الأشياء بالموقف النبيل، والرفض الشريف، للسلبية والجمود، ليفجر في كل كيان شلالات تروي كل العطش في متاهات الوجود وبيدها الحارق، وبالأجساد والعقول يبنون جسور التواصل لتولد في الإنسانية روحا جديدة، وبالتمرس واليقظة والعمل الدؤوب لإعداد الأجيال للسير على الدرب، حتى لا يستطيع مثبط أو مرجف إيقاف زحفها، إذ لا مكان في هذا العالم للضياع والاتكالية والتشتت حيث تلاعب بعض الصيادين في الماء العكر لأحقاب وقرون. واليوم ها هو الشباب يشق طريقه بصعوبة من يحفر الصخر بأظفاره وأسنانه، لذلك نجد الغيارى من الشباب الآخر يدعمون شبابنا بما يبعث في نفسه الدفء والحرارة، وهو ينطلق في الطريق الطويل مكتشفا آفاقا جديدة، ومعالم كانت حكرا على غيره؛ ولأن الأمة ملت الانتظار والإنسان مكمل لأخيه الإنسان ولازم له، وهكذا تسير الحياة جيلا يأتي بعد جيل، والأيام تمضي والسنون تطوي صفحات وتفتح صفحات جديدة، وهذه سنة الحياة ولا أحد قادر كشف سر هذه الحياة الدفين إلا الشباب. ولعل أحدهم يقول: كيف اخترت لنفسك السبيل الصعب، والموضوع الأشق، موضوع الشباب؛ لأنه الوعاء الحقيقي لإبلاغ صوت الإسلام الآن إلى كل مكان من أرض الله، لكل إنسان في حاضره الشريد وماضيه الغابر التليد، ولإخراجه من هذا المستنقع الآسن من الصمت الخبيث الآثم، الذي حول الآمال والطموحات المشروعة إلى طاقات مسجونة واحتدام محترق، ولقد رأيت من الأجدى للشباب السير على الأرض أسلم، وحسبه أن ينجح في تحريك الراكض وإيقاظ النائم، وبالتالي لدفع البشرية إلى غايتها الربانية، فإلى متى يحجب صوت الإسلام في صدور الشباب وأعماق عقولهم؟، لقد آن الأوان لتحطيم هذا السور العالي ليسري النور في اختيار راشد على واقع حي يتغير فيه العصر، لقد تفسخ الجسم البالي، وهذا الضباب الكثيف يغلف أجواء الناس، وهذه الموجات من التشويش كلها لإقبار القيادات الشبابية الحكيمة، وفي هذه المتاهات الخطيرة تراكمت ظلمة اليأس، كمحاولة من المندسين للنيل من إيمان الشباب، وتحويل قوته إلى ضعف وقصور، عن مسايرة العصر وعلاج مشكلات الإنسان ليبيض التخلف والفساد ويفرخان… يتبع بحول الله