[الإسلام وتربية العقل] 1. مفهوم العقل في اللغة العقل هو "ما يقابل الغريزة التي لا اختيار لها، وما يكون به التفكير والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات، وما به يتميز الحسن من القبيح، والخير من الشر، والحق من الباطل"[1]. وأصل مادة (العقل) معناها: المنع، لأنه يمنع الشخص مما لا يليق، قال الفيروزبادي عن العقل: "الحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية، وابتداؤه عند اجتنان الولد (الجنين) ثم لا يزال ينمو إلى أن يكتمل عند البلوغ"[2]. والعقل صفاته وأفعاله: اليقين والشك والتوهم، وطلب الأسباب لكل حادث، والتفكير في حيل جلب المنافع ودفع المضار[3]. وقال الراغب الأصفهاني: "العقل يقال للقوة المتهيئة لقبول العلم، ويقال للذي يستنبطه الإنسان بتلك القوة (عقل)"[4]، وقال المرتضى الزبيدي: "اختلف الناس في العقل: هل له حقيقة تُدرك أو لا؟ وإذا كانت له حقيقة تدرك هل هو جوهر أو عرض. ثم اختلفوا في موضعه: هل هو في الرأس أو في القلب؟ وهل العقول متساوية أو متفاوتة؟"[5]. وهناك للفلاسفة وغيرهم مقولات بشأن العقل وأنه يستغنى به عن الشرائع، وقد ردّ الغزالي ذلك وبيَّن الحاجة إلى الاثنين معاً وأنه ليس هناك تعارض حقيقي بين الشرع والعقل[6]. وبالنظر إلى المعاني اللغوية المستمدة من القرآن الكريم نجد أن مادة "عقل" وردت تحمل العديد من المعاني ومنها كالآتي: المعنى الأول: الحبس ومنه العقل: الحابس عن ذميم القول، "(عقل) العين والقاف واللام أصل واحد منقاس مطرد، يدل عظمه على حبسة في الشيء أو ما يقارب الحبسة. من ذلك العقل، وهو الحابس عن ذميم القول والفعل."[7]. المعنى الثاني: العقل نقيض الجهل: "قال الخليل( بن أحمد الفراهيدي): العقل: نقيض الجهل. يقال عقل يعقل عقلا، إذا عرف ما كان يجهله قبل، أو انزجر عما كان يفعله. وجمعه عقول. ورجل عاقل وقوم عقلاء. وعاقلون. ورجل عقول، إذا كان حسن الفهم وافر العقل"[8]. المعنى الثالث: الحجر والنهي، "العقل الحجر والنهى ضد الحمق والجمع عقول، وفي حديث عن عمرو بن العاص قال: تلك عقول كادها بارئها أي أرادها بسوء. عقل يعقل عقلا ومعقولا"[9]. وقد أورد ابن منظور العديد من المعاني للعقل، ولم يفرق بينه وبين القلب[10]، وقد ورد بنفس هذا المعنى السابق هذا في قاموسٍ آخر: "عقل العقل: الحجر والنهى. ورجل عاقل وعقول. وقد عقل يعقل عقلا ومعقولا أيضا وهو مصدر، وقال سيبويه: هو صفة"[11]. وبناء ما سبق، فإن مادة "عقل" في القرآن الكريم وردت 49 مرة معظمها بصيغة المضارع، ففعل "تعقلون" تكرر 24مرة، وفعل "يعقلون" تكرر 22مرة، وفعل "عقل"و" نعقل" و"يعقل" جاء كل واحدٍ منها مرة واحدة ولم يرد لفظ العقل معرفاً[12]. فمن المعنى الثالث (الحجر والنهي) قوله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" [البقرة، 43]. ومن المعنى الثاني (نقيض الجهل) قوله تعالى: "أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ" [الاَنبياء، 66]. ومن المعنى الأول (الحبس عن ذميم القول والفعل) قوله تعالى: "وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا تعْقِلُونَ" [يس، 67]. وبهذا فإن مفهوم العقل في القرآن يأخذ مناحي متعددة, مجملها تشير إلى أنه أداة العلم والمعرفة، والتمييز بين الأشياء، والحبس والحجر عن الوقوع في المهالك والمضار، وذميم القول والفعل لأن العاقل يعرف به الضار من النافع والخير من الشر، ومجمل الآيات التي تحدثت عن العقل تدعوه إلى العمل بالطرق المختلفة والتي سنتناولها لاحقاً.. يتبع في العدد المقبل.. ————————- 1. المعجم الوسيط 2/640 إصدار مجمع اللغة العربية بالقاهرة. 2. القاموس المحيط، ص: 1033. 3. حجة الله البالغة لولي الدهلوي 2/237، وفيه مقولات عميقة متعلقة بالعقل ومقاماته، 2/239. 4. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهاني، ص: 577 والتعريفات للمرجاني 196. 5. تاج العروس شرح القاموس للمرتضى الزبيدي 30/20 طبع وزارة الإعلام بالكويت. 6. الأحياء 3/17 وكتاباه معارج القدس، وتهافت الفلاسفة. 7. ابن فارس، أبو الحسين أحمد. معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، (دار الفكر، الطبعة: 1399ه – 1979م) ج: 4، ص: 69. 8. المصدر السابق، ج: 4، ص: 69. 9. ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، (بيروت: دار صادر، الطبعة الأولى) ج: 11، ص: 458. 10. ومنها التثبت في الأمور، وقال: العقل القلب والقلب العقل، ومن المعاني سمي العقل عقلا لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك أي يحبسه، ومنها: العقل هو التمييز الذي به يتميز الإنسان من سائر الحيوان، ومنها العقل الفهم وعقول أي فهوم، انظر: المرجع السابق، ج :4، ص: 69. 11. الجوهري إسماعيل بن حماد، الصحاح تاج العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، (بيروت: دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة 1407ه- 1987م) ج: 5، ص: 1769. 12. القرضاوي يوسف، العقل والعلم في القرآن الكريم، (بيروت: مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1422ه-2001م) ص: 13 بتصرف يسير.