أمر الإسلام بالمحافظة على رأس المال وإنمائه ونهى عن إضاعته وتبذيره، وجعل فيه وفي ثماره حقًّا لأصحاب الحاجة والمصالح العامة، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالى: "وَءَاتِ ذَا القُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً" [الاِسراء، 26]، وقال: "وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ َتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا" [الاِسراء، 29]. وينبني على ذلك أن الإسلام قد وضع الأسس السلوكية التي يتوقف عليها تكوين رأس المال، فاستوجب الامتناع عن تبذيره بالاستهلاك وضرورة إنمائه بالاستثمار. إن الاقتصاد الإسلامي ليس اقتصاد ترف، صحيح أن الحاجات الاقتصادية تدور بين الضرورية والحاجية والتحسينية، وبذلك يحافظ النظام الإسلامي على ثروة المجتمع من الضياع؛ ذلك أنَّ الإنسان لم يُوجَدْ حتَّى يتمتَّع بالطَّيِّبات، وإنَّما التمتع هو وسيلته لإثبات وجوده وأداء مهمته، وبذلك يمكن أن يوصف الاقتصاد الإسلامي بأنه اقتصاد قناعة؛ لأنه بالاستخدام الأمثل والمخطط للموارد، يقضي الإسلام على خرافة ندرة المواد، فلا تحدث حينئذ مشكلة اقتصادية حقيقية؛ لأن التصرف السليم بالموارد في إطار الاستهلاك الفطري الحقيقي الذي يهيئ الأخلاق الإيمانية هو الطريق الحقيقي للإنتاج الضروري والاستهلاك الرشيد. إن التدابير الاقتصادية الإسلامية، لا يمكن أن تكون فعالة إلا في مجتمع موجه توجيها أخلاقيا يتربى أبناؤه تربية إيمانية خالصة في ظل عقيدة التوحيد التي تدعو إلى الخضوع الذاتي إلى أمر الله تعالى، لا إلى الأهواء الجشعة، وتجعل من البشر جميعًا إخوة، عبيدًا لله تعالى، لا عبيدًا بعضهم للبعض الآخر، بحيث يأكل بعضهم بعضا بدافع الغرائز الحيوانية البحتة التي لا تعرف الرحمة، ولا تدرك المعاني الإنسانية الرفيعة والأهداف الحقيقية لوجود الإنسان في هذه الأرض. يقول الاقتصادي الفرنسي جاك أوستري: "إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس مَحصورًا في المذهبين المعروفين الرأسمالي والاشتراكي، بل هنالك مذهب اقتصادي ثالث راجح هو المذهب الاقتصادي الإسلامي… هذا المذهب سيسود عالم المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة"[1]. يتبع في العدد المقبل… ———————– 1. العسال، أحمد محمد وفتحي، أحمد عبد الكريم، النظام الاقتصادي في الإسلام، مبادئه وأهدافه. مطبعة الاستقامة الكبرى، الطبعة الثانية 1977م. ص: 13– 14.