تعريفات التنمية عند كتاب الاقتصاد الإسلامي أكثر من أن تحصى إلا أنه يمكن تصنيفها إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: ويعتبر التنمية عملية مطلقة تتصل بكل أفعال الإنسان وترتبط بكل تصرفاته، فهي شاملة لكل جوانب حياته، وقد اعتبر هؤلاء التنمية جزء من عملية الاستخلاف يحدد أبعادها ومضامينها، ويؤطر حركتها، وتتكامل في ظله مع باقي المفاهيم الإسلامية الأخرى. ويغدو المفهوم المركزي هو الإعمار، وباقي مكونات التنمية الاقتصادية والاجتماعية تابعة له. ولذلك يعرف هؤلاء التنمية في الإسلام بأنها عمارة البلاد من خلال تحقيق التقدم الاقتصادي، وتوفير عدالة التوزيع، ويتمثل ذلك في الوصول بالمستويات الإنتاجية والتوزيعية إلى تحقيق مستوى الكفاية لكل فرد يضمه المجتمع الإسلامي[1]. فالتنمية من هذا المنظور متعددة الجوانب لا تختص بجانب دون آخر، بل تتكامل فيه التنمية بكل أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية، فلا انفصال بين التنمية السياسية والتنمية الأخلاقية، ولا انفصال بين التنمية الاقتصادية والتنمية الأخلاقية، ولا انفصال بين التنمية الاجتماعية والتنمية الأخلاقية، ولا انفصال بين التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية وهكذا. وإذا كان الأصل في التنمية أنها وسيلة لعمارة الأرض، والأخذ بمكارم الشريعة، وتحسين أحوال الإنسان وإصلاحها؛ فإن كل ما يعود على هذه المعاني بالإبطال لا يعتبر تنمية ولو حصل معه تبدل في الهياكل الاقتصادية والاجتماعية؛ لأن هذا معيار مضلل، فمتوسط الدخل -مثلا- ليس إلا متوسطا حسابيا لا يظهر الفوارق الحقيقية، وإنما يذيبها نظريا رغم وجودها واقعيا[2]، فقد لا تكون عدالة على مستوى توزيع الثروة ومع ذلك فقد يُقر بتحقيق النمو مادام "النمو غاية كمية في الإنتاج والاستهلاك"[3]؛ الاتجاه الثاني: ويركز على المضمون الاقتصادي للتنمية، منطلقا في ذلك من ثلاثة عناصر: أحدها يتعلق بالدخل الفردي، والثاني أن لا تزيد أعداد من هم تحت خط الفقر، والثالث ألا يزداد توزيع الدخل سوءا. فالتنمية من هذا المنظور تعني زيادة في الدخل الفردي للمجتمع بما يسمح بالتطور والارتقاء، وهذا لا يكون إلا بكفاءة العناصر الإنتاجية المستخدمة في النشاط الاقتصادي، وتطوير الأساليب الفنية للإنتاج، وتحقيق العدالة في توزيع الدخل والثروة. ولن يتأتى هذا النمو إلا إذا كان متسقا مع قيم ومبادئ الشريعة[4]. التعريف المقترح: من خلال ما سبق يمكن القول إن التنمية في الإسلام هي عمارة الأرض بمقتضى عقد الاستخلاف، يكون عائدها تحقيق الحياة الطيبة في الدنيا والفوز في الآخرة. فعمارة الأرض تقتضي الانتقال بالمجتمع والفرد من حال دنيا إلى حال أرقى، تتداخل فيها كل الفاعليات الحضارية روحية، وأخلاقية، ومادية، "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" [الرعد، 11][5]، وعملية التغيير تكون شاملة لكل جوانب الحياة، ويترتب عنها تخلق الإنسان وتحقيق إنسانيته يصاحبها حياة طيبة وهي عائد دنيوي للالتزام بمنهج المستخلف، والحياة الطيبة هي "مراعاة تقوى الله مع وفرة الإنتاج وعدالة التوزيع أي تحقيق تمام الكفاية لكل فرد مع سيادة الأمن في المجتمع"[6]. فالمفهوم الإسلامي للتنمية لا يقتصر على مجرد إجراء نمو اقتصادي بالمعنى المادي، بل يكون شاملا لكل أبعاد الإنسان المعنوية والمادية والروحية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. ————————– 1. الزكاة وتمويل التنمية، نعمت مشهور، ص: 679. 2. التنمية في دول مجلس التعاون، محمد توفيق صادق، ص: 145. نظريات التنمية السياسية المعاصرة نصر محمد عارف، ص: 275. 3. حوار الحضارات، روجيه غارودي، ص: 42. 4. مدخل للفكر الاقتصادي في الإسلام، سعيد مرطان، ص: 246. مباحث في الاقتصاد الإسلامي، رواس قلعجي، ص: 157. التنمية والرفاه، ص: 13. الإسلام والتنمية الاقتصادية، شوقي أحمد دنيا، ص: 36. 5. حول تشكيل العقل المسلم، عماد الدين خليل، ص: 140. 6. نظريات التنمية السياسية، نصر محمد عارف، ص: 286.