وهكذا تبخرت العصبيات والأنانيات والاعتداد بالأجناس والألوان، وتحققت المساواة بين الأعراق وبين العربي والعجمي.. فكان عمر بن الخطاب القرشي، وسلمان الفارسي، وبلال الحبشي، وصهيب الرومي.. متساوين في الحقوق والواجبات فتمت المساواة بين الرجال والنساء، وبين العبيد ومن عرفوا بأسيادهم وبين العرب والعجم.. ومن العدالة الاجتماعية انطلق النظام الإسلامي إلى العدالة الاقتصادية في توزيع الثروة أو الاستفادة من مواردها، والثروة التي نعنيها هي الثروة الاجتماعية والمالية العامة التي تساهم الفئات المتساكنة في تكوينها فالمسلمون يؤدون الزكاة نهوضا بالتكافل الاجتماعي وغيرهم يؤدون الجزية.. إذا كان من واجب كل فرد أن يساند الدولة، ويساهم في تقدمها وازدهارها بمرافقها وماليتها العامة ما كان لها أن تكون إلا لصالح المجتمع بل أفراد ذلك بتكافؤ فرص الاستحقاق وتطبيق مبدأ المساواة التي يعتبر النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون أول من ارسى قواعدها.. لحكمة بالغة تجد مال الدولة في صدر الإسلام أساسا يسمى مال الله؛ أي مال عباده وتجد الله يضيف المال لنفسه إشعار بأن التصرف ينبغي أن يكون بمقتضى إرادته وشرعه فقال حول مساعدة المكاتبين " وَءَاتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي ءَاتَاكُمْ" [النور، 33]، وإذا فإن المال حقيقته لله، والعباد مستخلفون فيه بالتصرف، فليس من حق المستخلفين أن يسرفوا أو يبذروا كما أمر، وقد أمرهم بالإنفاق فقال: "وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ" [الحديد، 7]. والإنفاق في الإسلام إما أن يكون شخصيا تطوعيا كما تجلى في صدقة التطوع ومبدأ المساواة، وإما أن يكون واجبا جماعيا كما تجلى في حق الزكاة أو استحقاقها بالفرض أو العمل كما هو الشأن بالنسبة للغنائم والميراث فتجمعت الدواعي والأسباب في موضوع توزيع الثروة كي لا يتضخم المال في يد الأفراد ويصير دولة بين الأغنياء؛ لأن الإسلام لم يقاتل من أجل الغنائم وإنما كان يقاتل من أجل إعلاء كلمة الله.. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى.. عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون، ص: 42-43 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه / 1996م).