إن التنمية والإنتاج والخلو من الربا والضرر والفساد هي المسالك الصحيحة للاستقرار الاقتصادي والتقدم الحضاري والتكافل الاجتماعي وحفظ حقوق الأغنياء والفقراء على السواء مما يثبت العدالة الاجتماعية والترابط المتين والتماسك الهادف ويشل العدوانية والتسلط والبغضاء ويقرر الإسلام أن تنمية الإنتاج منهج قويم لاتقاء الأضرار الاقتصادية المميتة، لذلك فرض على المسلمين أن ينهجوا نهجه، بتنمية الثروة والاستفادة من الطبيعة، ويحث على العمل والإنتاج ويربطهما بكرامة الإنسان وحقوقه، ويشن حربا على البطالة والتسكع وتعطيل الثروات عن الاستثمار، وفي القرآن الكريم: "قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الاَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ" [الاَعراف، 30]، ويقول عز وجل: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الاَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُور" [الملك، 16]. واعتدال الإسلام وتوسطه يمنحه الواقعية والثبات، وعدم التطرف المؤدي إلى الأخطار التي يعمل الاقتصاد الإسلامي على تجنبها لكونه دين توفيق بين الحقوق الفردية والمصلحة الجماعية، والمزج بين الماديات والروحيات، ويستمد الإسلام أصوله من الإيمان بالله واليوم الآخر والحساب والجزاء، ولا يندفع في الماديات وحدها وإسقاط محاسبة الله الذي لا تخفى عليه خافية، ويعتمد العدل في توزيع الثروة، ولا يقبل الاستغلال للإنسان استغلالا يضر بإنسانيته، وإنها لميزة عظمى للعقيدة الإسلامية أن تترفع عن المس بحقوق الإنسان على اختلاف مكانته في مجتمعه القائم على العدل والإحسان والحقوق والواجبات. وكل تطرف في أي جانب ينافي الفطرة التي فطر الله الناس عليها والمعتبرة اعتدالا وبعدا عن الغلو والخصائص الإسلامية الثابتة. وتوازن الإسلام طريقة عملية تجافي التناقض والوقوع في المثبطات الاقتصادية يمينا أو يسارا وهي عملية تستمد جذورها من الكتاب والسنة والمقاصد الشرعية والمنهجية السليمة وسمو رسالة الإسلام الطاهرة من التعقيدات والفلسفات المتضاربة مع بعضها والمتصارعة في عالم الماديات المتجردة من الزواجر الإلهية الثابتة. يتبع في العدد المقبل.. عن كتاب "البيعة والخلافة في الإسلام" للأستاذ العلامة المرحوم الحاج أحمد بن شقرون ص: 38-39 سلسلة البدائع الكتاب العاشر الطبعة، (1417ه / 1996م).