حيث إن المناسبة شرط، أجد نفسي مضطرا للحديث اليوم عن آلية أخرى من آليات الإصلاح... فاليوم آخر يوم من أيام سنة 2013. وغدا إن شاء الله أول يوم من أيام سنة 2014... العديد مِنَّا هَنَّأَ أو سَيُهَنِّئ الآخرين بالسنة الجديدة، آمِلا أن تكون أحسن من سابقاتها، ومتمنيا الصحة والعافية للمقربين منه، وأصدقائه و...حتى لأهل بلده ولساكنة الكرة الأرضية جمعاء... هذا الأمر يسترعي انتباهنا إلى ضرورة فهم عدة أمور على طريق الإصلاح، مرتبطة بالمنهجية وبالسياق العام للإصلاح : الأول: وَ هُوَ النَّفَس الإيجابي والأمل الذي يحذو جميع المهنئين بالسنة الجديدة ...وَهَذا النَّفَس العام ( إن لم أقل الشامل) المتفائل، وللأسف الشديد ينتهي عند الكثيرين بانتهاء فترة التهنئة فقط، بحيث أنهم قبل ذلك، ثم بعد ذلك يعودون للنَّفَس السلبي الذي يتحدث فقط عن السلبيات ويرى أن البلد لم يحقق أي شيء، وأن الأزمة تزداد والفساد ينتشر والظلام يسود و...السؤال: كيف لخطاب من هذا القبيل أن يهنئ ويفسح الأمل في سنة جديدة؟ إن آثار هذا الخطاب كمن يقول لابنه: أتمنى لك مستقبلا زاهرا...وبعد ذلك يقول...لا يمكن لأبنائنا تحقيق أي شيء، هذه البلاد لا تصلح، التعليم سيء ولن يُفِيدَ أحدا... الأساتذة لا يقومون بالواجب، الإدارة لا تساعد، العمل غير موجود، إلخ...من الأمور التي مؤداها أن "المستقبل لن يكون أبدا زاهرا"...عكس ما تمناه لابنه...
إن آثار هذا الخطاب كمن ينحصر في الذي يذهب لحضور حفل زفاف، فيوزع القبلات والتهانئ على أفراد عائلة العريس و العروس... ولكن داخل الحفل تراه يتحدث عن الأكل غير الجيد، عن الفرقة الموسيقية دون المستوى، عن غياب التنظيم و...إلخ من الأمور التي تشوش حقيقة على هذا الحفل، ولو عَمَّمَ ذلك لَشَعَرَ الجميع أنه لم يكن عليه ليهنئ العائلة...بل كان عليه أن يُوَبِّخَهَا... إن المساهمة في الإصلاح تتطلب مِنَّا أن نربط بين حقيقة الواقع وكيف نراه حقيقة، وبين ما نتمناه في الغد...قد يقول قائل: نحن بصدد متمنيات ، وأقول نعم هي متمنيات...لكن أَنَّى لها أن تتحقق، وأنت تساهم مباشرة بعد تقديمها في "تَسْوِيد" الوضع، بَدَلَ أن تقول وتَعْمَلَ عمليا ما من شأنه أن يُسَاعِدَ في تحقيق متمنياتك لهذا العالم...باختصار شديد، ما نُحِبُّهُ ونتمناه يجب أن نكون مقتنعين به، وأن نقوم بجهد -ولو بسيط- لتحقيقه... لكن، لا يجب أن يُفْهَمَ من كلامي أنه وجب علينا مدح الواقع بما فيه من سلبيات، وأن نردد بدون وعي بأن "العام زين" ...أبدا، أبدا، أبدا..إنما مضمون كلامي هو أن الإصلاح "موضوعية" في التحليل، و"رصانة" في الفكر، و "مصداقية" في الحديث... وأن الإصلاح يتأثر بمناخه ومحيطه...فالإصلاح في زمن الأزمة، غير الإصلاح في زمن الرخاء، والإصلاح في مناخ النقد والتهويل، غير الإصلاح في مناخ الدعم والتقييم الموضوعي... وللحديث بقية في ثلاثاء السنة المقبلة بحول الله.