لأول مرة خارج أوروبا.. الرباط تحتضن الاجتماع السنوي لشبيبة الحزب الشعبي الأوروبي    المغرب و الاتحاد الإفريقي .. من تعزيز الحكم الذاتي إلى دعم تنمية الساحل    بينهم 9 محكومون بالمؤبد.. إسرائيل تفرج السبت عن 90 أسيرا فلسطينيا    "ديب سيك" الصينية في مواجهة قانونية تهدد علامتها التجارية في أميركا    شركة تركية عملاقة تؤسس فرعا بالمغرب لتعزيز تصميم وصناعة الدرونات العسكرية    ترمب يصر على تهجير سكان غزة رغم رفض مصر والأردن    السيتي في مواجهة الريال.. مواجهات نارية في قرعة الدور الفاصل في دوري أبطال أوروبا    مشاركة وازنة للاعبات المغربيات إلى جانب نخبة من النجمات العالميات في الدورة ال 28 لكأس للا مريم للغولف    الكعبي : لا مستحيل في كرة القدم .. وهدفنا التتويج بالدوري الأوروبي    دنيا بطمة تخرج من سجن الأوداية بعد انتهاء عقوبتها    دنيا بطمة تعانق الحرية بعد سنة من سجنها    بعد عام من الإعتقال .. دنيا بطمة تعانق الحرية    مندوبية السجون: انحسار حالات الإصابة ب"بوحمرون" بعد حملة تلقيح واسعة النطاق    أخطاء كنجهلوها.. الطريقة الصحيحة لقيادة السيارة في أجواء البرد القارس (فيديو)    المحكمة التجارية بالدار البيضاء تجدد الإذن باستمرار نشاط مصفاة "سامير"    وفود تمثل كبريات الحواضر العربية ستحل بطنجة    في سرية تامّة.. دنيا بطمة تغادر أسوار سجن الأوداية بمراكش    "كاف" يمدد فترة تسجيل اللاعبين ويغير لوائحه لتتناسب مع نظيرتها الأوروبية    أعضاء مقاطعة عين السبع يطالبون بإقالة الرئيس يوسف لحسينية بسبب "الانتكاسة" التدبيرية    الرباط: وزير الخارجية اليمني يجدد التأكيد على موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمملكة    الرئيس الانتقالي في سوريا: نعمل على وحدة البلاد وتحقيق السلم الأهلي    توقيف شخص بطنجة مبحوث عنه وطنيا متورط في قضايا سرقة واعتداء    إعادة فتح معبري سبتة ومليلية.. ضغط إسباني وتريث مغربي    استئناف النقل البحري بين طنجة وطريفة بعد توقف بسبب الرياح العاتية    حكم بالسجن على عميد شرطة بتهمة التزوير وتعنيف معتقل    توقعات بتصدير المغرب 90 ألف طن من الأفوكادو في 2025    "مجموعة العمل من أجل فلسطين" تحتج أمام البرلمان وفاء للشهيد محمد الضيف    حصيلة النشاط القضائي بالقنيطرة‬    انخفاض بنسبة 0.2% في أسعار إنتاج الصناعات التحويلية بالمغرب    أداء إيجابي في بورصة الدار البيضاء    أسعار النفط ترتفع إلى أزيد من 76 دولارا للبرميل    التمرينات الرياضية قبل سن ال50 تعزز صحة الدماغ وتقلل من الزهايمر    التعاون السعودي يعلن ضم اللاعب الصابيري خلال فترة الانتقالات الشتوية الحالية    اللجنة التأديبية الفرنسية تقرر إيقاف بنعطية 6 أشهر    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الجمعة    اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي تعزز وعي الجيل المتصل في مجال الأمن الرقمي    الفلاحون في جهة طنجة تطوان الحسيمة يستبشرون بالتساقطات المطرية    نهضة بركان يواصل التألق ويعزز صدارته بفوز مهم على الجيش الملكي    كيوسك الجمعة | 97 % من الأطفال المغاربة يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    سانتو دومينغو.. تسليط الضوء على التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال التعليم    العثور على الصندوقين الأسودين للطائرة التي تحطمت في واشنطن    نتفليكس تطرح الموسم الثالث من مسلسل "لعبة الحبار" في 27 يونيو    أجواء ممطرة في توقعات طقس الجمعة    ارتفاع أسعار الذهب    الدولي المغربي حكيم زياش ينضم رسميا للدحيل القطري    وتتواصل بلا هوادة الحرب التي تشنها جهوية الدرك بالجديدة على مروجي '"الماحيا"    «استمزاج للرأي محدود جدا » عن التاكسيات!    إطلاق النسخة الأولى من مهرجان "ألوان الشرق" في تاوريرت    وفاة الكاتب الصحفي والروائي المصري محمد جبريل    مع الشّاعر "أدونيس" فى ذكرىَ ميلاده الخامسة والتسعين    المَطْرْقة.. وباء بوحمرون / الحوز / المراحيض العمومية (فيديو)    علاج غريب وغير متوقع لمرض "ألزهايمر"    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    المجلس العلمي المحلي لإقليم الناظور يواصل برامجه التكوينية للحجاج والمعتمرين    ثمود هوليود: أنطولوجيا النار والتطهير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل دخلنا زمن تحالف الفن مع الرأسمالية المتوحشة

تحاصرنا ريح "السموم" الإشهارية مع كل لحظات الإفطار،كأنها تتربص بنا وتنتظرنا عند حافات الوقت لتقودنا إلى حيث تطلق شعرها وأحلامها وسرابها وتفسح الهواء لطلاقتها، في محاولة لإذابة الجليد بيننا وأشيائها خشية الكساد، وفي كل خطوة توهمنا أنها تحررنا من مآسينا ومن ضعفنا ومن فقرنا ومن جهلنا ومن ضياعنا، وتفرش لنا الزمن ألوانا زاهية
تمطر ذهبا وتضعنا على قارعة الجهات المشبعة بالعوالم الجديدة التي تهتف بنا وتنادينا من بعيد، والمطهمة بأشتات من سعادات لا تنتهي تموج بكل الحبور والخيرات المبثوثة في عرض الطريق يلتقطها كل العابرين وأبناء السبيل،دون أن نلتفت إلى أننا ضحايا هجوم "عقائدي" يطرح برنامجا واضحا للتنفيذ، الربح فيه ضروري وأساسي ولا ينبغي له أن يتعثر أمام أي حاجز، و بحاجة إلى شروط فكرية وثقافية تسمح له بالنمو وتوفر له المزيد من القوة والتسلط.
وقد لا نضيف جديدا إذا قلنا إن الإشهار كتقنية و"أداة" هو جزء من فضاء الخديعة وأحد آلياتها المعاصرة والنافذة، ولذلك غالبا ما يخلق عوالم غير مألوفة يدس في ثناياها كثيرا من الرغبات المستحيلة والأهداف التي من شأنها أن تقتنص ضحايا عديدين يركضون في اتجاه المسعى الصريح والخفي الذي يحرك أفعاله، ولكي تكتمل مواصفات الخديعة وتتوفر ظروف وعوامل تأثيرها واستدراجها أو استغلالها السافر لانتباه وإرادة وجيوب المتلقين، يتم بناء العملية وفق آليات محددة تؤمن الوصول إلى الغاية بصورة فعالة، الغاية تبرر الوسيلة في هذه الحال مهما كانت خسيسة وقائمة على التضليل والتزييف وقلب الحقائق وتشويهها.
ويسترعي انتباه المشاهد المغربي العابر منذ انطلاق رمضان "الوصلة" الإشهارية التي صاغتها "مجموعة الضحى/ الدجى" الضالعة في مجال المضاربات العقارية، الطريق الأقصر إلى الاغتناء السريع في هذا البلد، ونزلت بثقلها المادي والمعنوي لكي تكون "الوصلة/اللوحة" السمة البارزة لكل لحظات الإفطار اليومية التي تجسد اللحظة المناسبة للضغط على شعور وعواطف وإحساسات المواطنين وإرغامهم على التعايش مع أشكال وطقوس إشهارية مقرفة تمارس عنفها السافر وقهرها عليهم وتعكر عليهم أجواء رغبتهم في الاستمتاع بلحظة هدوء وحلول حميمية في حضرة الطعام بعد وطأة يوم طويل من المسغبة والجوع والظمأ الخانق.
وبصرف النظر عن الدلالات المتعددة التي تتساكن داخل سياق "الوصلة" وامتداداتها المتباينة فإننا سنقصر وجهتنا على الحمولة الأيديولوجية لها، انطلاقا من أن أي فعل إشهاري لا يخلو من خلفيات أيديولوجية دعائية ودعوية على حد سواء، إذ إن هدفه الأسمى دائما هو التأثير الجارف على مشاعر وآراء ومواقف وتصرفات وردود فعل المتلقين. ويبدو لنا أن الثابت في هذا الفعل الإشهاري لمجموعة الضحى هو تمرير الاعتقاد بأن الاستثمارات أو المبادرات المالية الخاصة هي الأكثر جدوى والأكثر أثرا وفعالية في النهوض باقتصاد البلاد، وأن الكفاح من أجل توسيع دائرة ومناطق نفوذ هذه المبادرات وتيسير الشروط الاجتماعية لهيمنتها على دواليب الاقتصاد وتغلغلها في كل المجالات واجب وطني. وعن هذا الاعتقاد تتفرع احتمالات وقيم أخرى في مقدمتها التحريض على تمجيد الرأسمال الخاص وتبجيل دور التاجر الوسيط وثقافة السمسرة وأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، والإشادة بأيديولوجية السوق التي ينبغي أن تقوم بمهام الريادة في مجال العلاقات الاجتماعية واعتبارها الأداة القائدة للمجتمع مقابل انحسار دور الدولة وتراجع مهامها الأساسية الكبرى. ولئن كانت هذه المؤشرات قد تحيل إلى تبني مسار جديد في العلاقات الاقتصادية قائم على المبادرة الحرة والمنافسة، فإن الأمر في الواقع غير ذلك إذ إن العملية تكرس قيم "الحرب" الاقتصادية الطاحنة التي لا تضمن حرية المنافسة ولا تراعي منطقها القائم على المساواة واحترام تقاليد السوق السليمة، بل إن "الوصلة" في العمق تقودنا إلى صيغة حرب معلنة تنهض فيها بعض الشركات "الطيبة" بدحر وتدمير أو طرد الشركات "الخبيثة" من الميدان وعدم الاعتراف بأي اختلاف أو وجود شريك، وإن كان موجودا فإنه يستحق الموت أو العقاب. وعلى أساس من هذا تضعنا الصورة أمام قوة مبدأ البقاء للأصلح، وأنه دائما هو الأفضل والأخير، وهو ما قد يحيلنا إلى أن الإشهار لا ينطلق من أية قواعد أخلاقية أو مثل نبيلة أو هو يسعى إلى تأكيدها وترسيخها، وإنما يحرص بقوة على أن يوطن وجود ومزايا شركة معلومة ويوفر الشروط الاجتماعية والثقافية لنجاحها والتأكيد على إلغاء الشركات أو الأطراف الأخرى المعادية أو المنافسة. ومن منطلق الشراسة الليبرالية التي تحتمي بها الوصلة الإشهارية المذكورة يتم كذلك تثبيت مظاهر التفاوت الاجتماعي والطبقي، إذ المفهوم بصفة صريحة من سياقها أن الأفراد الذين لا يملكون القدرة على شراء مساكنهم من هذه المجموعة بالذات لا يستحقون البقاء وهو عبء على المجتمع ويجب إبعادهم.
تفترض التعبئة الأيديولوجية، غالبا، عنصر التهييج أوالتجييش الذي يضمن إعداد وتكوين قاعدة أتباع ومريدين مهيئين للاستسلام والخضوع الشامل للمنظور الأيديولوجي المراد، وعلى أهبة الاستعداد للدفاع عنه وإقناع الآخرين أو إرغامهم على الإيمان به، والاستماتة من أجل كل ما يخدم أسباب هيمنته وسطوته، واختارت "مجموعة الضحى" أن يكون الأتباع من جماعة الفنانين،النكرات منهم والمعارف، الذين حشرتهم في طقس فولكلوري جماعي غير منسجم يحيل في إيحاءاته المباشرة إلى العشائرية والجماعات المغلقة، وخال من أية قيمة رمزية، وتقدم "اللوحة" هؤلاء الأتباع بلا هوية مهنية غير هوية الولاء والتبعية للضحى، وبذلك يخسر الفنانون هويتهم الحقيقية ليتلبسوا بهوية الضحى كرمز لوجودهم الفردي والجماعي، والمراهنة على التفاني من أجل بقائها والإخلاص لها ولمصالحها البعيدة والقريبة.
إن عنوان هذا الطقس الجماعي هو صيغة انتماء أو ذوبان جماعي في مجموعة الضحى، التي تقدم على هذا الأساس إطارا آمنا لحياة جماعية هادئة ورغيدة، وشكلا من أشكال المحافظة وفرض الانغلاق والجمود وتعزيز التقاليد الرأسمالية التي تحقق الاستقرار الذاتي والجماعي ضمن المجموعة، وتتولى حماية الوجود الجماعي من أية أخطار أو تهديدات داخلية أو خارجية.ولذلك فإن عمل الفنانين المغاربة هو موقف وسلوك اقتصادي محض، تم بوعي أو بدونه، يستهدف منح القوة للمصالح الاقتصادية والمادية للمجموعة التي سخرتهم لأداء هذا الدور بمعزل عن أية اعتبارات قيمية، والتوليف الذي قامت به المجموعة في الواقع هو توليف هجين لأنه يلغي أدنى درجات التوازن بين مكوناته غير الانسجام المصطنع الذي يصب في مجرى تمرير آليات الخضوع لأهواء وسلطة المجموعة وتزيين واجهاتها وتاريخها وإنجازاتها.
ضمن هذه التعبئة الأيديولوجية الضارية يتم مصادرة وتدمير قيم المواطنة والانتماء للوطن، فالترديدات المصاحبة لحركات كائنات الطقس الجماعي تشيد بالانتماء المغربي لمجموعة الضحى، مما قد يعني نفي هذه الصفة عن سواها،وهو ما يبدو أنه يضفي الشرعية التاريخية والسياسية على المجموعة، ويخولها التعبير الاقتصادي والاجتماعي عن الوطن. واستثمار الانتماء للوطن قد تكون له فعاليته الدعائية القوية هنا، لكنه لجوء مفجع في واقع الأمر بهدف تحويل قيم المواطنة إلى "سلعة" وإلى عوارض فاقدة لأي معنى، وتوظيفها كورقة توفر امتيازات اقتصادية وأيديولوجية واجتماعية، والخطير هنا أن ما يمكن أن يحيل إليه هذا الاستثمار هو أن كل من لا يتعامل مع مجموعة الضحى فاقد لانتمائه ومعرض للاغتراب والضياع، فللانتماء هنا تداعياته الصريحة الانتماء للضحى هو انتماء للمغرب والعكس وارد أيضا، إنها الوجدان الجمعي بمعنى ما، والالتفاف حولها التفاف حول المغرب وإيمان والتزام بالاختيارات الاقتصادية التي تجسدها.
إن الوصلة الإشهارية المذكورة تحمل، في الواقع، أكثر من دلالة سلبية، وفيها مظهر للارتباك الناجم عن توظيف أدوات ووسائل ومواد وقيم ومفاهيم مشوشة وملغومة أدت دورها الدعائي والدلالي بشكل مقلوب، ولا تعكس في العمق غير الضحالة المغربية السائدة على أكثر من مستوى وفي ميادين مختلفة، والطاقة التعبيرية الكبرى التي تطفو على السطح هنا هي المظهر المحتمل للتحالف العضوي بين الفن والرأسمال الطفيلي والفساد والسلطة، وربما هذه صورة المغرب الجديد الذي ترسى بعض معالمه على مهل منذ الآن.
في هذا السياق، أيضا، يمكن استيعاب موقف بعض الفنانين الذي رفعوا قبل وقت قريب شعار " ارحل" في وجه وزير الثقافة المغربي وهندسته الثقافية، وعاقبوه بمقاطعة العديد من الأنشطة التي تعهدتها أو نظمتها وزارته، ولكنهم انصهروا بحماس منقطع النظير في مستنقع الولاء وتمجيد الضحى والإشادة باختياراتها ووطنيتها،
فهل دخلنا زمن تحالف الفن مع الرأسمالية المتوحشة الجارفة، وزمن إرغام الرأي العام على الإيمان بلاهوت السوق والتسبيح بأسمائه الحسنى.؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.