بقلم: ذ. محمد زمران في خضم الزيادات الصاروخية التي سقطت فجأة على السوق المغربي، وقعت عيناي على صورة لطيفة، وناذرة في نفس الوقت، وخبر لطيف، يتعلق بموضوع الخبز .. يدخل البهجة والسرور على قلب المرء، وينسيه هموم الدنيا الفانية، التي إذا كثرت تصيب الإنسان بنوبة ضحك، عملا بالمثل الشعبي "الهم إلى كثر كيضحك" - الصورة والخبر معا - استوقفا انتباهي في الصفحة الأولى من إحدى الجرائد اليومية، التي تخبر قراءها بأن الوزير الأول يستقل سيارته، ويقودها بنفسه في أحد شوارع المدينة المزدحمة، دون حراسة ولا مرافقين، وقد صادف في طريقه أحد المواطنين العاديين، الذي كان بالمناسبة يمسك بيده خبزا .. فابتسم في وجهه وصافحه، وتفاصيل الخبر كما جاءت في الجريدة، فهي في السطور التالية: في جولة بشوارع المدينة المكتظة بالسيارات والراجلين الغادين والرائحين، استقل السيد رئيس الوزراء سيارة قادها بنفسه، وأثناء مروره بأحد الشوارع، شاهد مواطنا يسير في الطريق ويحمل في يده خبزا، توقف السيد الوزير الأول بالسيارة بجوار المواطن، وسأله والابتسامة تعلو محياه: - كيف هي أخبار الخبز ؟- رد المواطن: الحمد لله بخير ..! فقال له رئيس الوزراء هل انتظرت طويلا أمام المخبزة للحصول عليه ؟ أجاب المواطن لا .. الحمد لله الخبز متوفر بكثرة ..! انتهى الحوار بين المواطن والوزير الأول الذي يهمه كثيرا الاطلاع على أحوال المواطنين ببلده. لقد قرأت الخبر اللطيف أكثر من مرة، وأخشى ما أخشاه أن يصيب من سيطلع على مستهل موضوعي هذا ما أصابني، لأن الوزير الأول المشار إليه، لم يكن وزيرنا الأول المغربي، السيد عباس الفاسي، بل انه ديفيد كاميرون، رئيس الوزراء البريطاني، هو الذي قام بهذه المبادرة .. ولنا أن نتساءل ونحن نعيش هذه الأيام أوضاعا لانحسد عليها، المتمثلة أساسا في ما يتطلبه الحصول على كسرة خبز من مجهود جبار، وما عرفته الأسعار من غلاء و بصورة متزايدة، بعد مرحلة دخول مدونة السير الاستقلالية حيز التطبيق، وما جلبته هذه الأخيرة من ويلات .. وما ترتب عنها من مخاوف، بحيث أن السائقين .. وبخاصة سائقي سيارات الأجرة، وكذا مهنيي الشاحنات، الذين آثروا البطالة، على الإلقاء بأنفسهم إلى التهلكة، تهلكة الغرامات الجائرة، وخصم نقط رخصة السياقة، وما دار من حديث حول الرمي بالمتسببين في حوادث سير مميتة في السجون وما .. وما .. الخ، في هذا الظرف المشحون، هل فكر السيد رئيس حكومتنا، أو أحد الذين يدورون في فلكه، هل فكروا جميعا في النزول إلى أرض الواقع لتفقد أحوال المواطنين، الذين قُهرت قدراتهم الشرائية، وأتت موجة الغلاء على أجمل ما في نفوسهم كبشر .. سيما أن الحديث عن ارتفاع الأسعار، بات أمرا مقلقا ومرهقا، حيث طال فئات الشعب المحدودة الدخل، فما بالك بالذين لادخل لهم ولا هم يفرحون .. ؟ لأنه إذا دقق المرء النظر في وجوه هؤلاء، يجد ملامحهم كلها تجهم وعبوس .. ولسان حالهم يقول: " اللهم إن هذا منكرا "، لأن كل ما هو صالح لزادهم اليومي تتناثر منه شرارات النار .. فالزيت، والسكر والشاي، وحتى الدقيق .. هذه المواد المكونة للوجبات الرئيسية التي تقتات بها الأسر المسحوقة، كل يوم تصبح بسعر جديد، ناهيك عن الخضر التي أصبحت الملاذ الأخير لهؤلاء المواطنين المغلوب على أمرهم، أصبح أمر الوصول إليها ليس بالهين، وذلك من جراء ما أصبحت تعرفه الأثمان التي لااستقرار لها، في غياب المراقبة الصارمة، وما آل إليه الوضع بعد فاتح ( غلاب ) عفوا فاتح اكتوبر، وأما المستلزمات الأخرى، من ملابس وخدمات الخ .. فحدث ولا حرج. وواهم من يتخيل أن المالكين لزمام الأمور ببلادنا، يعيرون أدنى اهتمام لهذه الحالة، أو يمكنهم أن ينزلوا من أبراجهم العاجية، ليقفوا على هموم الشعب الذي على متنه وصلوا إلى مراكز القرار، ( الكرش الشبعانة ما تسو ...) وهذا يؤكد فعلا فشل هذه الحكومة في أداء واجبها نحو هذا الشعب الصبور، الذي يتحمل في صمت، - واني لأعجب ممن لايجد قوت يومه، ولايخرج إلى الشارع شاهرا سيفه في وجه الناس ..!- وفي خضم هذا الوضع القاتم، نجد هم الحكومة الموقرة الوحيد، هو العمل على اغناء الغني، وإفقار الفقير .. وكمثال على ذلك، تطبيق مدونة السير الجديدة ضدا على وضعية شوارعنا وساحاتنا، وعلى حساب عرق جبين الكادحين من أبناء شعبنا، رغم أن مستوياتنا على جميع الأصعدة لاترقى إلى مستويات الشعوب التي اتخذتها الحكومة في شخص وزيرها في النقل والتجهيز نموذجا، الذي يدافع عليها بكل ما يملك من قوة، بحيث يعزي موجة الغلاء إلى المضاربات واحتكار التجار للبضائع، وليس السبب فيها هي مدونته المشؤومة، ولم يدر بخلد الحكومة أبدا، ما قد يسببه هذا التعامل من دمار إن عاجلا أو آجلا .. لأنها تناست الدور الأساسي الذي عهد لها لعبه، والمتعلق أساسا بتوفير لوازم العيش الضرورية للمواطنين، والمحافظة على قدراتهم الشرائية، حتى تكون الأسعار ملائمة للفتات الذي يتسلمونه آخر كل شهر، كأجر على ما يبذلونه من مجهود جبار في العمل، هذا بالنسبة للمحظوظين الذين يتوفرون على منصب عمل، وهكذا ودون التفكير في وضعيات العاطلين الاجتماعية، أقدمت – حفظها الله - على تطبيق مدونة دون توفر الشروط المتوفرة في البلدان التي صدرتها لنا .. لا من حيث الوعي، و لا من حيث الدخل، ولا حتى من حيث نزاهة المنوطة بهم مسؤولية المراقبة. وما دمنا بشر .. نحتاج من حين لآخر إلى الابتسامة .. والسخرية، لننسى همومنا التي لاتقوى حتى الجبال على حملها، لذا نجدها فرصة، لنرسم على شفاهنا ابتسامة في ظلمة مستنقع الفساد، وسوء التدبير، لنطلقها صرخة مذوية تحمل السؤال التالي : هل مثلا، يستطيع السيد عباس الفاسي، الاقتضاء بالفعل الذي أقدم عليه رئيس وزراء بريطانيا ..؟ الجواب لا .. ربما يتساءل متسائل عن سر هذا التشاؤم، أجدني مضطرا لقول، هذا ليس تشاؤما، بل هناك أسباب متعددة فرضت هذا الجواب، منها على سبيل المثال، أن السيد الوزير الأول، لايجرأ على مواجهة المواطنين، الذين تعاهد معهم على الكثير من الأمور إبان الحملة الانتخابية التشريعية الأخيرة، ولم يف سيادته بوعوده، ثم أنه لم يعمل بتاتا على تطبيق برنامجه الانتخابي، الذي سطره قبل الاستحقاقات التشريعية .. ولازالت حتى الآن جموع المواطنين تنتظر تنفيذ ما جاء في التصريح الحكومي، و .. و .. ناهيك عن الثقل الذي يحمله ( المسكين ) على عاثقه، والذي يرجع إلى مخلفات فضيحة النجاة الشهيرة التي تعد (صفقة القرن)، التي لازالت تلاحقه، بل وستلاحقه ما دام حي يرزق، وما واكب ذلك من صمت حكومي مطبق، رغم ما عرفته القضية من انتحارات ذهب ضحيتها العديد من الشباب، جراء اليأس الذي أصابهم، وبما أن هذه الكارثة وقعت في بلد اسمه المغرب، يعيش في عهده الجديد، يجب أن لايطوى ملفها دون مساءلة المتورطين فيها كيف ما كان شأنهم ومستواهم، لأن الضحايا، منهم من قضى نحبه و منهم ينتظر .. وهلم جرا، أضف إلى ذلك ملف الراحلة عائشة المختاري وما سيعرفه من ( تجرجير) أمام القضاء الزجري " اللهم لاشماتة" ولهذه الأسباب و من أجلها .. يتوجب على المواطنين المغلوبين على أمرهم، أن يتوجهوا إلى خالقهم بالدعاء التالي : " اللهم لانرجوا رد القضاء، ولكن نرجوا اللطف فيه " وينتظروا حدوث معجزة، ولو أن عصر المعجزات قد َولّى .. إذن أريد أن أقول بعبارة صريحة، عليهم بالصبر ما دام أن الصبر مفتاح الفرج،