تداخل الرياضة بالسياسة من الأمور المعروفة في زماننا الراهن، وما شاهدناه من أحداث وتوتر في العلاقات بين مصر والجزائر في أعقاب مباراتي التأهيل الحاسمتين للوصول الى نهائي تصفيات كأس العالم في جنوب أفريقيا الصيف المقبل، هو أحد أهم الأدلة التي تؤكد هذا التداخل. المهاجم المغربي مروان الشماخ لاعب فريق بوردو الفرنسي وهدافه الموهوب، ضرب مثلا في الوطنية والانحياز الى ضميره الاخلاقي قبل ثلاثة أيام، عندما رفض السفر الى الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948 للعب مع فريقه ضد 'مكابي حيفا' الاسرائيلي في الجولة السادسة والاخيرة من دوري المجموعات في دوري أبطال أوروبا التي انتهت بفوز الفريق الفرنسي. الشماخ، وله من اسمه نصيب (من الشموخ) قال لوسائل الاعلام 'الكل يعلم أنني مسلم... وتقع في تلك الاراضي العديد من الأمور غير المقبولة مثل عمليات استيطان صهيونية في الضفة الغربية'. وأضاف 'أنا انسان وعندي قلب وأشعر بنفسي معنيا بالأمر حين أراهم يقومون بايذاء الناس هناك في فلسطين'. هذا الموقف الانساني القوي الرافض للظلم واحتلال أرض الآخرين، وفرض حصار عليهم، وشن عدوان وحشي على اناس ابرياء وقتل 1500، استشهد عدد كبير منهم حرقا بقنابل الفوسفور الابيض المحرمة دوليا، هذا الموقف يؤكد ان الشعوب العربية بخير، وان العيب ليس في المواطن وانما في الأنظمة الحاكمة في الغالبية الساحقة من الدول العربية. اللاعب الكروي انسان أيضا، له قلب وعواطف، وليس مجرد رياضي يلهث خلف الكرة، ومن غير المستغرب أن يعبر عن مشاعره هذه بكل الطرق والوسائل. العالم الغربي 'الحر' قاطع النظام العنصري في جنوب افريقيا رياضيا، وكذلك فعل مع المانيا النازية، واسرائيل لا تقل عنصرية وفاشية عن هذين النظامين، فالقاضي اليهودي ريتشارد غولدستون اتهمها في تقريره الدولي بارتكاب جرائم حرب في حق الانسانية اثناء عدوانها الاخير على قطاع غزة. اللاعبون العرب يثبتون انهم اكثر وطنية من الكثير من زعمائهم وسياسييهم، فقد رفض اللاعب الفلسطيني رمزي صالح المشاركة في مباراة مع فريقه الاهلي المصري ضد نادي برشلونة الاسباني نهاية الشهر الحالي بسبب وجود لاعب اسرائيلي في صفوفه. وفرض الاتحاد الدولي لكرة الطاولة حظرا على مشاركة لاعبين من السعودية واليمن في البطولات الدولية حتى نهاية العام لرفضهما اللعب امام لاعب اسرائيلي. ولا تفوتنا الاشارة الى اشكان ديجاجا اللاعب الايراني الاصل في منتخب الشباب الالماني الذي رفض المشاركة في مباراة لفريقه امام المنتخب الاسرائيلي. لقد اثبت مروان الشماخ وزملاؤه الآخرون، انهم يفكرون بعقولهم الوطنية، بينما يفكر السياسيون والحكام العرب بارجلهم وهم يلهثون خلف التطبيع مع دولة تنتهك قرارات الشرعية الدولية وقوانينها، وترتكب مجازر وتفرض حصارات على اشقاء وتحتل ارضهم. لا يسعنا الا ان نحيي اللاعب الشماخ على موقفه الانساني المشرف، وانحيازه الى اشقائه في الارض المحتلة، ونتمنى في الوقت نفسه على الذين وجهوا الدعوة لتسيبي ليفني وزيرة خارجية اسرائيل السابقة للمشاركة في ندوة في مدينة طنجة، وهم يعلمون انها مدانة كمجرمة حرب، ملطخة يداها بدماء اطفال غزة، نتمنى على هؤلاء ان يتواروا خجلا امام هذا اللاعب العملاق الذي شرف بلاده وعبر عن رأي الملايين من ابنائها البسطاء الطيبين، بينما هم اساءوا الى هذا الشعب، ومواقفه الوطنية العربية والاسلامية الاصيلة.