هناك من يريد إقامة صور صيني بين المطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة والمطالب السياسية من جهة أخرى. إن هذا الطرح قد يشكل نوعا من التكتيك الضروري لتفادي خوض صراع مباشر مع المخزن والكتلة الطبقية السائدة وسيدتهما الإمبريالية الغربية من خلال عدم طرح مسئوليتهم الواضحة في التردي المريع للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وقد يمكن من انتزاع مكاسب جزئية لا يجب احتقارها لأن من شأنها أن تقنع الجماهير بجدوى وضرورة النضال. لكن هذه المكاسب محدودة وقابلة للتراجع ما أن تخمد أو تضعف جذوة النضال. كما أن هذا الطرح سديد من حيث تأكيده على خصوصية المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لكن هذا الطرح، إذا أصبح قناعة ومسلمة نهائية وخاصة إذا استعمل لمعاداة النضال والعمل السياسي، سيصبح مضرا، ليس فقط بالنضال من أجل المطالب الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لأنه سيدخله في سيرورة لا متناهية وسيزيفية يضل المخزن والكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية هم الرابحين فيها وقد يعزله عن القوى السياسية المناضلة، بل أيضا معرقلا لطموح ونضال شعبنا من أجل التغيير لصالحه الذي يجسده، الآن، النضال الموحد والمتصاعد ضد المافيا المخزنية على طريق تحرره من هيمنة الإمبريالية والكتلة الطبقية السائدة. فمن سابع المستحيلات أن يحقق الحد الأدنى من العيش الكريم لشعبنا الاقتصاد المغربي التبعي للإمبرياية الغربية، وخاصة فرنسا الضعيفة اقتصاديا مقارنة مع ألمانيا مثلا، والذي بسبب ذلك وبسبب طبيعة الكتلة الطبقية السائدة يحتل موقعا متخلفا في قسمة العمل على المستوى الدولي( أنشطة اقتصادية جلها ذو قيمة مضافة ضعيفة) والذي ينخره النهب والافتراس والريع الذي يمارسه المخزن والكتلة الطبقية السائدة والإمبريالية. وتفشي البطالة على نطاق واسع وانهيار التعليم والصحة وباقي الخدمات الاجتماعية تأكد ذلك. ولذلك فشلت فشلا ذريعا ومدويا كل السياسات "الإصلاحية" للنظام في جميع الميادين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية. والنظام الذي يعي جيدا الأهمية القصوى لترسيخ فكرة الفصل بين المطالب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية من جهة والسياسية من جهة أخرى وسط الشعب للحفاظ على مصالحه ووجوده كان سباقا، غداة الاستقلال الشكلي، إلى تحييد المركزية النقابية الاتحاد المغربي للشغل القوية والوحيدة آنذاك عن لعب أي دور سياسي لصالح التغيير مكرسا ما سمي ب"سياسة الخبز". كما أن النظام يوظف بمكيافيلية وانتهازية قضية الفصل هته: فلتكريس هذا الفصل وسط الجماهير الشعبية وإبعاد المناضلين السياسيين المخلصين يستعمل كل الوسائل: ترهيب الجماهير وترسيخ فكرة أن كل المناضلين السياسيين يسعون إلى الركوب على النضالات الاجتماعية لتحقيق مصالحهم الحزبية الخاصة( والحال أن قوى "الحركة الوطنية" غالبا ما استعملت النضالات الشعبية بشكل انتهازي) وأن الجماهير بقدر ما تبتعد عن السيااسة والسياسيين سيتجاوب إيجابيا مع مطالبها. وهو بذلك يريد عزلها عن محيطها الطبيعي المساند لها لتسهيل قمعها و/أو الالتفاف عليها. وتعامل النظام مع كفاح شعبنا من أجل مطالبه الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، غالبا بالتجاهل أو المناورات أو القمع، آخره التنكيل بحراك الريف واعتقال قادته ونشطائه والحكم القاسي بالسجن على مجموعة منهم، برهان على ذلك. لكن المخزن لا يتردد في توظيف أدوات النضال من أجل مطالب اجتماعية أو اقتصادية أو ثقافية لدعم مواقفه وسياساته لعل أخطرها دعوة الاتحاد المغربي للشغل للتصويت بنعم على دستور 2011 الممنوح. وخلاصة القول أن العلاقة بين النضال من أجل مطالب اجتماعية واقتصادية وثقافية والنضال من أجل مطالب سياسية هي علاقة تفاعل وتكامل وليست علاقة تجاهل أو تناحر.