بقلم : محمد السعيد مازغ كل شيء قابل للتداول والاستعمال ما دامت لم تنته صلاحيته، ولم يفقد المنفعة التي يراد من أجلها، وقد جرت العادة أن تُخَفِّضَ الاسواق الكبرى من ثمن البضاعة التي اقترب موعد نهاية صلاحيتها، في إطار سياسة اقتصادية تخطو نحو تأمين هامش الربح، وتفادي الخسارة، كما تفضل الحصول على نصف الثمن او اقل بدلا من ان يحل تاريخ نهاية الصلاحية، و تلقى البضاعة في نهاية المطاف في " سلة القمامة ". وقد لا يرتبط المشكل بالكيفية التي سيتم بها التخلص من البضاعة التي افلست ودخلت في عداد "البيريمي " ، ولكن في مآل محتويات تلك القمامة التي اصبحت عند البعض غذاء اساسيا، ووجبة يومية متنوعة حسب زمان ومكان "البركاسة" ، فمنها ما يكون قريبا من فيلات الأثرياء، من رجال الدولة، ورجال الاعمال، ومن الفنادق الكبرى والمطاعم الراقية، ومنها ما لا يجود إلا بالروائح النثنة ، وتفريخ الحشرات الضارة ,وتوريث الامراض المزمنة. الإنسان بدوره قد تنتهي صلاحيته، حين يبلغ أجله، وتتجمد ذاته وتصير أطرافه خشبا ممددة، فينتهي به المطاف الى المقبرة، حيث وحشة القبور، وسكون الموتى.ومعضلة السؤال. كل الاهل والاحباب والمعاملات التجارية والثروة وكل ما تَمَلَّكَ مفاتيحَه،يصبح مجرد سراب، انتقل تلقائيا الى غيره، ولم يعد يستطيع له سبيلا، فلا هو قادر على استرجاع القوة والجاه، ولا اصلاح ما تورط فيه من مفاسد، وما ارتكبه من اخطاء، ولا امتلاك قلب الحبيب وتطويعه ليتقبل الوضع كما هو، والانكى ان لا ضمانة لديه ان يسير البديل المنتظر على نفس خطى سلفه، يواجه معارضيه بضحكاته الاستهزائية، ونظراته الشامثة، ولسانه السليط احيانا، ويتخطى الحواجز والصعاب في تحد وصمود، دون التخفي خلف المتاريس ، أو الاحتماء بقوة التدخل السريع. حكومة بن كيران ماتت سريريا منذ مدة، ولكن حزب العدالة والتنمية مازال على قيد الحياة، وسيخرج من رحمه ابن كيران في نسخة معدلة، وطبيعي ان يبنى اختيار رئيس الحكومة الجديد على مقاييس محددة، وضمنها القدرة على الاستجابة لمتطلبات مرحلة، والاستفادة من الاخطاء القاتلة التي ارتكبها سلفه، والتي كانت نتائجها مكلفة وباهضة الثمن حسب عرف المحللين السياسيين والمهتمين الحزبيين، والتي وضعها البعض في مرتبة الانتحار السياسي. قد يخالف البعض هذا الراي ويعتبر ان عزل بنكيران يعود لفشله في تشكيل حكومة، وإلى مواقفه المتشددة، وفشله في تدبير الحوار مع حلفاء محتملين، أو لكونه رفض أن يكون رئيسا ناقص الصلاحية، تُدَبَّر له الأمور، وان البلوكاج الحكومي ليس هو صانعه او المتسبب فيه، وإنما هناك فاعلين آخرين حسب ما أشار إليه الكاتب و الاعلامي حسن بويخف. أو القوة القاهرة كما تم الترويج له اعلاميا، وقد نسي المدافعون عن رئيس الحكومة السابقة أن عبد الاله بنكيران هو من اختار وضع نفسه داخل البلوكاج الذاتي، وان ما واجه من وقائع وصعوبات كان متوقعا إضافة إلى أن مجموعة من الإمكانيات كانت متاحة لدفع حدوثه، إلا ان الحسابات لم تكن دقيقة، وأن عامل الزمن الذي كان يراهن عليه من اجل حل البلوكاج، وتأويله لبعض الفصول وتكييفها لمنطق المصلحة الآنية، ورهانات اخرى، اثبت واقع الحال انها كانت يسير في الاتجاه المعاكس للثيار، وأن العقد المرصع انفلتت صدفاته، وتبعثرت، ولم يتبق سوى الركون إلى الانتظارية القاتلة، والانغلاق على الذات وتجنب الأضواء. على أي، استبعد عبد الإله بنكيران من مهمة تشكيل الحكومة. ومعلوم ان البعض تلقف الخبر ببرودة، لانه يرى ان المغرب يسير منذ مدة بدون حكومة، وقد خطا خطوات جبارة، وحقق انتصارات تاريخية…. والبعض تحسر وتأسف على ابعاد رجل أبان عن كفاءة عالية، وشجاعة في تدبير ملفات جد معقدة بدقة وجدارة، واعتبر هذا البعض ان الامر مدبر سلفا، وأن الديمقراطية في خطر، والبعض الآخر، فرح وسعد واستبشر بالمستقبل، و بلغ جزء منه حد التشفى. " ويرى الواقعيون ان التشفي هو مظهر من مظاهر التخلُّف المنتشرة ، وغالبا ما يأتي استجابة لنوازع بدائية داخل الإنسان، وهي نوازع مرضية موشومة بالتحامل والحقد والكراهية، ولا تفرق بين بنكيران المسؤول العمومي، والشخص العادي ، ففي الأولى من حقنا التصدي لقراراته، وانتقاد برنامحه، والتصدي لتجاوزاته، وفي الثانية احترام شخصه، وتجنب النبش في خصوصياته وما ارتبط بمعيشه اليومي. ولله في خلقه شؤون