ناقش الباحث الحبيب استاتي زين الدين أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام والعلوم السياسية، في موضوع: "الحركات الاحتجاجية بالمغرب: حالة حركة 20 فبراير"، يوم السبت 29 أكتوبر 2016؛ بكلية الحقوق مراكش، أمام لجنة علمية مكونة من السادة الأساتذة: الدكتور عبد المالك إحزرير رئيسا ومقررا، والدكتور محمد بنطلحة الدكالي مشرفا، والدكتور رشيد العلمي الإدريسي مقررا، والدكتور إدريس لكريني مقررا، والدكتور محمد الغالي عضوا. وبعد المداولة قررت لجنة المناقشة منح الباحث لقب دكتور في الحقوق، بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع. يسير اختيار دراسة "الحركات الاحتجاجية بالمغرب: حالة حركة 20 فبراير"، في اتجاه التفكيك والتحليل العلمي لموضوع لا زال يشكو من خصاص كمي كبير على مستوى البحث العلمي ببلادنا، بالرغم من الحضورالمكثف للفعل الاحتجاجي بالفضاء العام، وتنامي إيقاعه، وتنوع أشكاله ومجالاته ومضامينه، وارتباطه مع "متغيّراتجديدة"، سواء تعلّق بالسياق الإقليمي المتحوِّل أو نضج الوعي الشبابي، أو الأسلوب الاحتجاجي الحضاري، أو المضمون الدستوري بروح العصر بعد موجة الحَراك العربي، أو كثافة الطلب على البعد الإنساني لدولة القرن الواحد والعشرين، أو كذلك الدور الجديد الذي أصبحت تضطلع به وسائط الاتصال الحديثة. توصّل الباحث، في إطاره سعيه إلى الإجابة عن دلالات وأبعاد تجذّر الممارسة الاحتجاجية في الثقافة المجتمعية المغربية، في علاقة بضعف التنمية والديمقراطية وهشاشة منظومة الوساطة، إلى خلاصات مهمة عديدة، لعل أبرزها انتقالالحركات الاحتجاجية، من زمن الاستئناس الممنوع للاحتجاج، في ظل القمع العسكري الدموي، والعنف المتبادل الذي يترجم حجم التسييس الذي تعرضت له الممارسة الاحتجاجية، في فترة ما قبل التسعينيات، إلى زمن احتلال الشارع العام، في بداية التسعينيات، كمؤشر على انتقال السياسة من الفضاء التقليدي المحتكَر من قبل الفاعلين السياسيين إلى فضاء الاحتجاج غير التعاقدي، ثم حدث تحوُّل كمي ونوعي في الاحتجاج، تزامنا مع حكومة التناوب، إذ تضاعف عدد الحركات الاحتجاجية في الوسطين القروي والحضري، وانضمت إليها مختلف شرائح المجتمع، بما فيها بعض الفئات التي كانت ممنوعة من النزول إلى الشارع، كما بدأ يتجه الاحتجاج تدريجيا نحو الحكومة، باعتبارها المسؤولة المباشرة عن إعداد وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية، بعد أن ظل الاحتجاج السياسي، في السنوات السابقة، يحمّل الملكية فشل العمل الحكومي في تحقيق البرامج والمخططات التنموية التي وضعها.وبفعل هذا التحول المزدوج، شهدت وظيفة الشارع انزياحا نحو التظلم عن ضعف التنمية المحلية والتعبير عن استقلالية الحركات الاحتجاجية عن الأحزاب السياسية والنقابات. هذا التحول الوظيفي في المجال العام، سيظهر بجلاء مطلع سنة 2011،مع دينامية 20 فبراير المغربية التي أعادت الطلب السياسي إلى الواجهة. وأخذا بناصية الحذر الابستمولوجي الذي يقتضيه التعامل مع مسار ومآل حركة لا زالت تتفاعل ديناميتها مع مجريات الأحداث، يمكن القول على إنه بالرغم من أن الحركة لم تفلح في التحول إلى حركة جماهيرية لها امتداد شعبي، فقد شكلت احتجاجاتها، بالمقارنة مع التحركات الحزبية، المحك الحقيقي لمدى جدية وفاعلية الإصلاحات التي باشرها المغرب في السنوات الأخيرة.لذلك، فتفسير وفهم تراجع الحركة رهين باستحضار مجموعة من العوامل، جزء منها خارجي مرتبط بتطور الحراك الإقليمي على المستوى العربي والمغاربي، وجزء آخر محلي صرف، يتوزع هو الآخر على قسمين، أحدهما داخلي يتعلّق بطبيعة تركيبة الحركة نفسها، وقسم ثان خارجي يتصل بخصوصية النظام السياسي المغربي. فمقابل خبرة وذكاء وتدبير هذا الأخير، وما نجم عنه من قدرة على الأخذ بزمام المبادرة، كانت الحركة أسيرة هشاشتها التنظيمية والسياسية، التي تجلّت في عدم قدرتها على تدبير الخلافات الإيديولوجية بين مكوناتها. أما على مستوى تدبير الممارسة الاحتجاجية ميدانيا، فالملاحظ أنه على الرغم من تحوّلسلطة الضبط (وزارة الداخلية من طرف دائم إلى «وسيط تفاوضي بين طرفين»، لا زالت قوّات الأمن تتحرك استجابة للهاجس الأمني المتمثل في تحرير الفضاء العام.والجدير بالذكر أن التدخل الأمني يُعزى في الكثير من جوانبه للخلط القانوني الموجود بين الوقفة الاحتجاجية التي يفضّلها المحتجون وباقي أشكال التجمعات العمومية (الاجتماعات العمومية، والمظاهرات، والتجمهر)، والشاهد على ذلك انقسام الاجتهاد القضائي بخصوص قضايا الوقفات الاحتجاجية إلى فريقين؛ أحدهما يُخرج هذا الشكل الاحتجاجي من دائرة أشكال التجمعات العمومية، والثاني سار في اتجاه التكييف القانوني للوقفة الاحتجاجية على أنها مظاهرة، وهي بذلك شكل من أشكال التجمعات العمومية، وجب التصريح المسبق بها لدى السلطات المحلية، لتجنب قرار المنع.هذا الاختلاف يترك الباب مفتوحا أمام الإدارة الأمنية لتأويله دائما لصالحها، بشكل يرفع من درجة الحاجة إلى مراجعة قانونية شاملة لقانون التجمعات العمومية. إن الاحتجاج، بهذه الحمولات التاريخية والمجتمعية والسياسية والقانونية، يسمح باستخلاص صعوبة إخضاعه لتفسير واحد من قبل هذه النظرية أو تلك التي أنتجتها السوسيولوجيا السياسية (نظرية الحرمان النسبي، وأطروحة الصراع الطبقي، ونظرية تعبئة الموارد، والفرص السياسية، والتأطير) .وإذا أخذنا بعين الاعتبار مجموع الوقائع التي تشهد على تطور الحركات الاحتجاجية بالمغرب، طيلة العقود الستة الماضية، سنجد أن حركة 20 فبراير، مثلا، تعبّر عن هذا الغنى التفسيري، وهي التي استثمرت الحرمان الذي تعاني منه فئات عريضة من الشعب المغربي، واستمرار الفروقات الاجتماعية القائمة داخله، لتعبئة مواردها وإضفاء المعاني على الفرص السياسية التي أتيحت لها، دون أن ننسى أنها استطاعت، على خلاف كل الحركات السابقة، أن تخلق توافقا، وإن كان هشّا، بين إيديولوجيتين متناقضتين، أجمعا في وقت من الأوقات على الاستفادة من أخطاء الماضي لبناء الحاضر والمستقبل، وهو ما يعزّز ضرورة تعميق البحث في هذه النظريات في أفق فهم أفضل للحركات الاحتجاجية، كما يعدّ دعوة إلى تكثيف البحوث الجامعية بصددها لتحقيق نوع من التراكم المعرفي، الذي سيكون لا محالة بمثابة أرضيات تؤسس للقراءة العلمية للاحتجاج بروح مغربية، خصوصا أن معالم ومؤشرات فعل احتجاجي جديد بدأت تلوح في الأفق، من خلال تزايد واتساع للفئات المحتجة، وللرقعة الجغرافية للاحتجاجات، بما يفيد أن التراجعات والانكماشات الكامنة داخل المجتمع الاحتجاجي سرعان ما قد تعود بقوة.