ما هو الداعي إلى القلق حين أثيرت أخيرا مسألة تسمية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، كهيئة حكومية مدنية ودنيوية، واقتراح تسمية بديلة أشمل من الحالية: أي وزارة الشؤون الدينية؟ لا أرى سببا لذلك. لقد سبق لي قبل سنة ونصف أن عقبت بشكل إيجابي على دعوة الأستاذ شمعون ليفي للعناية بالتراث المغربي المرتبط بالمغاربة اليهود، واقترحت توسيع اسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في حال البقاء عليها لكي يشمل أيضا الأديان والعبادات. وقد رأيت بأنه من شأن ذلك التوسيع أن يجعل تدبير الحقل الديني يشمل كل الديانات السماوية في المغرب ويساهم في تعزيز قنوات الحوار بين ذوي الاختصاص بكل الديانات التوحيدية الممارسة من طرف المواطنين المغاربة. هناك الطابع الإسلامي للدولة المغربية كواقع قائم منذ قرون كرسته تجربة طويلة من حكم السلالات المتعاقبة، ثم معاهدة الحماية، وبعدها الدساتير المغربية، التي تحيل في أكثر فصولها قوة، أي الفصل التاسع عشر، على دور الملك ووظيفته كأمير للمومنين، بمن فيهم المسلمين وغيرهم. إن أول فقرة يبتدئ بها الدستور المغربي هي أن «المملكة المغربية دولة إسلامية» وينص الفصل السادس( الفقرة الأولى) من هذا الدستور على»أن الإسلام دين الدولة»، وجعل الفصل التاسع والثلاثون من هذا الدستور الدين الإسلامي كأمر غير قابل للجدال من خلال تناوله لموضوع حصانة أعضاء البرلمان. ونص الفصل السادس بعد المائة من نفس الدستور في ما يخص المراجعة الدستورية على أن النصوص المتعلقة بالدين الإسلامي لا يمكن أن تكون موضوع مراجعة دستورية. و من بين ما نص عليه الفصل19 من الدستور المغربي أن «الملك أمير المؤمنين» وهو «حامي حمى الملة والدين» من دون تخصيص أي دين أو تمييز دين عن غيره من الديانات التي تمارس بالمغرب، هذا علما بأن وجوب الإسلام كدين رسمي للدولة، وأساسا للملك، كما سلفت الإشارة، هو أمر واقع غير قابل للمراجعة، حسب مقتضيات الدستور. غير أن الدستور لم يقيد اختيار أعضاء الحكومة ولا انتخاب أعضاء البرلمان ولا التعيين في الوظائف المدنية أو العسكرية بتوفر شرط ديني أو سياسي أو قبلي أو اثني، بل إن القانون المغربي يشترط في الموظف أن يكون مواطنا مغربيا والمرشح لعضوية أي مجلس برلماني أو جماعي أن يكون بدوره مواطنا مغربيا متمتعا بالحقوق المدنية والسياسية، من دون الإشارة إلى خلفيته الدينية والسياسية .لذلك فكما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من الفصل السادس من الدستور فإن لكل واحد الحرية في ممارسة شؤونه الدينية بضمانات دستورية تكفلها الدولة، وهذا إقرار بالتعددية الدينية للمجتمع المغربي، وبالتالي إمكانية توفير الإطار المتخصص بأمور الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية، أي إحداث مديرية للشؤون الدينية تتكلف بهاتين الديانتين في إطار برنامج تدبير شامل للحقل الديني، بما يحيل عليه من تعددية، وهو بطبيعة الحال تدبير ليس من الملزم دستوريا أن يكون شأن الحكومة أو عضو داخلها. إن تسمية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي حديثة جدا، مرتبطة بتكوين حكومة مغربية على النمط العصري، فقد ظهرت إدارة مركزية للأحباس، أي للوقف، في الهيكلة الجديدة للمخزن في بداية عهد الحماية، وعهد ليوطي تحديدا، ولم تظهر تسمية الشؤون الإسلامية إلا في بداية عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بمعنى أن هذه الأوصاف أو التسميات أمر طارئ في التاريخ المغربي المعاصر. زيادة على هذا فتشكيل الحكومة المغربية يمكن أن تظهر فيه وزارات وتحذف أخرى ولا شيء يمنع من ذلك دستوريا ما عدا في حالتين ينبغي الإبقاء على تسميتهما دستوريا: حالة الوزير الأول كهيئة دستورية مذكور بهذه التسمية، وحالة وزير العدل، المذكور بهذه التسمية أيضا في الفصول الدستورية المتعلقة بالمجلس الأعلى للقضاء. أما ماعدا ذلك فيمكن تسمية الوزارات بأي تسمية كما هو حال وزارات تحديث القطاعات العامة التي تغير تسميتها أكثر من مرة، وهكذا يمكن تسمية وزارة الداخلية مثلا بوزارة الأمن الداخلي أو إدارة التراب الوطني أو وزارة الحكم المحلي، ولن يكون في ذلك أي تعارض مع الدستور أو إخلال بتدخل الحكومة أو الوزارة في المجال الذي تختص به هذه الوزارة.إنه من الممكن تسمية أي وزارة بأي صفة مطابقة لوظيفتها باختلاف الصيغ اللغوية الممكنة، ولن يكون لذلك أي تأثير على حضورها في المشهد الحكومي والدور الذي تقوم به. وهكذا يمكن تحوير اسم وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والدينية، بالرغم من أن الصيغة الأشمل أي وزارة الشؤون الدينية قائمة في بلد مسلم كالجزائر الذي ينص دستوره على أن الإسلام دين الدولة. وللجهات المختصة دستوريا بمراقبة دستورية القوانين والسهر على احترام الدستور وحدها صلاحية النظر في تسمية الوزارات، التي يتم تعيينها بظهير أي بنص قانوني يشترط فيه أن يكون مطابقا لأحكام الدستور، ولا حق لجهة أخرى بالتدخل في الوقوف ضد تسمية الوزارة المهتمة بالحقل الديني. ويمكن الذهاب أبعد من هذا والجزم بأن الاكتفاء بكتابة عامة إدارية للمجلس العلمي الأعلى وحذف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية من الخريطة الحكومية، لن يحيد بالدولة عن تدبير الحقل الديني وفق سياستها، مادام القانون الأساسي للدولة يتضمن نصوصا تتعلق بالدين الإسلامي. ❊ باحث مغربي