شاءت الصدف أن يعيش الوداد البيضاوي قبل ستين سنة واقعة أشبه بما حصل يوم الخميس الماضي بمدينة البليدةالجزائرية.. ففي سنة 1948 كان الوداد مطالبا بمواجهة فريق جزائري يتكون من مستعمرين فرنسيين يدعى بلعباس، وذلك في إطار منافسات كأس شمال إفريقيا. يروي المرحوم قاسم قاسمي لاعب الوداد السابق إحدى جزيئات هذه المباراة التاريخية، في كتاب حول تاريخ الوداد لمؤلفه أحمد لحريزي الرئيس السابق للفريق، ويقول إنه سمع صوت المدرب الأب جيكو وهو يطلب منه إشعار حكم المباراة الإيطالي إيطنازيو وتنبيهه قبل أن يطلق صافرة الانطلاقة، لغياب العلم المغربي بل إن الأب جيكو هدد بمقاطعة المباراة إذا لم يلب المطلب الوطني، نادى الحكم على ممثل عصبة وهران الذي رفض الطلب، لكن الحكم أمر برفع الراية المغربية التي عثر عليها بصعوبة، وتم تثبيتها إلى جانب العلم الفرنسي الذي كان حينها يقوم مقام راية الجزائر. تفاعل الجمهور الجزائري مع هذا الحدث الذي عطل المباراة لبضعة دقائق، دون أن يعطل التلاحم بين الشعبين، حيث تحول الجزائريون الذين كانوا يتواجدون في الملعب إلى مناصرين سريين للوداد. حدث هذا في زمن كانت فيه الجزائر مستعمرة فرنسية، يعتبر التفكير في نضم نشيد وطني أو نسج علم يرمز للسيادة طريقا إلى المشنقة. اليوم نعيش مشهدا مخالفا تماما لما حصل سنة 1948، فحفدة جمهور مباراة الوداد ضد بلعباس الذين صفقوا سرا للعلم المغربي، نزعوا الراية المغربية من ملعب لبليدة ورشقوا حامليها بالقنينات والحجارة والقوافي المستفزة، التي جعلت أحد لاعبي الوداد يصرح بأن خوض المباراة ضد فريق إسرائيلي في تل أبيب أهون من إجرائها عند جيراننا. إن الصراع بين القطرين يتجاوز مباريات القرقوبي الجزائري ضد الجيش المغربي عند النقطة الحدودية زوج بغال، إلى صراع كروي يستمد فورته من النعرات السياسية القائمة منذ نصف قرن. المعارك الرياضية بين المغرب والجزائر أصبحت جزءا من المعارك السياسية فالهزيمة على أرضية الملعب أصبحت مرادفا للغضب الساطع لنزيف الاستقالات، لذا كان الملك الراحل الحسن الثاني يحرص على أن يساهم في اختيار اللاعبين الذين يخوضون المواجهات المغربية الجزائرية، وكان الهواري بومدين لا يلج مقصورة الملعب قبل أن يدخل مستودع الملابس، وينفخ في اللاعبين ما تيسر من شحنات التعبئة التي تحول اللاعبين إلى ثيران هائجة، بل إن مدرب المنتخب المغربي غي كليزو أصيب بشلل نصفي منذ هزيمة المغرب أمام الجزائر في دجنبر 1979 بخمسة أهداف لواحد، فعلت الحصة فعلتها في مرمى الهزاز وعقل المدرب الذي تلقى تأنيبا من ملك البلاد أحاله إلى نصف جثة. وحين رد المغاربة الصاع للجزائريين في فبراير 2004 بملعب الطيب لمهيري، تحولت مدينة صفاقص التونسية إلى منطقة منكوبة، بعد أن خرب الجمهور الجزائري الذي ملأ الملعب الكراسي وواجهات المحلات التجارية، ولم تسلم حديقة الحيوانات من الاجتياح، بعد أن رمى نفر من الجزائريين للحيوانات المعتقلة بقطع خبز مبللة بالهريسة، كانت الوجبة الملتهبة كافية لاستنفار شرطة المدينة التي كانت تركز على بؤرة توتر واحدة. كنت شاهدا على ما حصل في صفاقس ولم نغادر المدينة، التي بدت وكأن إعصارا ضربها، إلا في الساعات الأولى من صباح اليوم الموالي وسط حراسة أمنية مشددة. كانت هذه الواقعة كافية لتحول الجمهور الجزائري إلى مساند علني للتونسيين في المباراة النهائية التي جرت بملعب رادس وانهزم المغرب بهدفين لواحد، لكن الهزيمة الأكبر كانت للروح الرياضية ولتلك المقولات التي تتحدث عن المصير المشترك. اكتفى الاتحاد العربي أمام هذه الواقعة بالتنديد وشجب تصرفات منفلتة استهدفت راية المغرب التي ترمز إلى السيادة، وتبين أن جهاز الكرة العربي أشبه بجامعة الدول العربية تملك في أرشيفها بيانات تنديد صالحة لكل زمان ومكان. الآن علينا أن نستوعب الدرس جيدا، ونؤمن بأن قصة الخلاف المغربي الجزائري الذي عمر نصف قرن، مستمرة بأشخاص ووقائع أخرى في ملاعب السياسة والرياضة، رغم أن رواد الراي ظلوا يصدحون بتقارب سيك.