نيوزلندا ليست مختلفة في طبيعة شعبها ومزاج سكانها فقط، بل هي مختلفة في الجغرافيا أيضا. إنها بلد يوجد في مكان معزول في قلب محيط شاسع يكاد يبتلع كل ما حوله. إنها البلاد التي تفخر بخضرتها وحليبها وماعزها وأبقارها وغاباتها وتلالها الخضراء أكثر مما يفخر أي بلد آخر. لا غرابة إذن أن تكون نيوزلندا رائدة في تصدير اللحوم والحليب والزبدة والجبن. إنها تصدر كل الأشياء الجميلة واللذيذة. الكثيرون يطلقون على نيوزلندا بلد الكيوي، لأنه الفاكهة التي تشكل رمز هذا البلد، حيث تصطف كالفسيفساء التي أتقنها الرومان والفينيقيون ورسموا معالمها على أرائك قصورهم. نيوزيلندا بلد لا نهاية له ببحاره اللامتناهية، وغاباته الممطرة صيفا وشتاء، وسهوله التي تحوي آلاف الأعشاب الطبية. اخضرار على مدار السنة وانبهار لدى السائح الذي يسعفه الحظ في زيارة مواقع خلابة بشلالاتها وفوهات براكينها التي انطفأت نيرانها وخمدت حممها وانطلقت فيها شرارة الزهور والورود وما هو نادر الوجود في الطبيعة. أرض السحب البيضاء تعادل نيوزلندا في مساحتها دولة كبيرة مثل بريطانيا، إلا أن عدد سكانها لا يزيد عن 4 ملايين نسمة. تقع نيوزيلندا في الجزء الغربي من المحيط الهادي وتتكون من جزيرتين رئيسيتين وعدد من الجزر الصغيرة، وتعرف باسم أونياروا، أي أرض السحابة البيضاء الطويلة التي تزف المطر، وقوس قزح الذي لا يكاد يبرح المكان، والعاصمة على الخصوص. تعد نيوزيلندا المكان الأقل صخبا وازدحاما في العالم، وهو الشيء الذي يجعلها مقصدا مثاليا للباحثين عن الهدوء والاسترخاء بعيدا عن الأجواء الصاخبة التي تسيطر على معظم عواصم دول الشرق والغرب. لكن ليس الهدوء والسكينة هما الميزة الوحيدة وعامل الجذب الوحيد في هذه البلاد المتميزة، فنيوزيلندا تتوفر على سلسلة رائعة من المناظر الطبيعية الخلابة والتي توجد في عدد كبير من الصور البلاستيكية المعروضة للبيع حتى في المدن المغربية بأقل من 20 درهما. إنها مناظر تغريك في الصور أما الواقع فقد ينسيك العودة إلى بلادك.. سلاسل شاهقة من الجبال وعدد كبير من فوهات البراكين وسواحل ممتدة على شكل فج، وسهول عشبية تزيدها قطعان الأبقار بألوانها البيضاء والسوداء جمالا وروعة. الصمت في كل شيء يعرف شعب نيوزيلندا بنزوعه الكبير نحو التأمل وعدم الثرثرة والكلام كثيرا. النيوزلنديون يحبذون الالتزام بالصمت ولا يتناقشون كثيرا حول ما يحدث حولهم أو في ما يقع خارج بلادهم. إنهم يتكلمون فقط أو يحتجون عندما يتعلق الأمر بالمساس ببيئتهم، لذلك فإن من أولويات الحكومة حماية البيئة الطبيعية أكثر من الانشغال بالسياسة. كما أن الشعب النيوزلندي يفتح أذرعه لكل الباحثين عن المغامرات، وحتى طائر «الطفلق»، الذي تعرف به نيوزيلندا، فإنه خجول جدا خلال النهار، حيث يمضي معظم وقته تحت الأدغال ويقوم بزيارات قليلة للماء. إنه الصمت في كل شيء، هذا بالإضافة إلى أنواع أخرى من الطيور والحمام كطير الكاكا والكيوي المهدد بالانقراض، زيادة على أنواع من الحيوانات الطبيعية التي تغري بالمشاهدة داخل محميات محروسة جيدا. وعلى مسافات قليلة بالسيارة نحو الشرق توجد «محمية تونجاريوو» التي تمتد إلى المحيط الهادي وخليج هوك، حيث تكتسح المنطقة فقمة الفرو التي تعيش في جماعات وهي تتنقل بين الصخور أو تسبح عندما يداهمها الحر أو تتجمع للتوالد استعدادا للشهور الباردة. هوايات ومتع لا حصر لها الحياة البرية في نيوزلندا تبقى دائما قريبة من السائح حتى وهو موجود داخل المدن الكبيرة، إلا أنه على الرغم من ذلك لا توجد حيوانات خطيرة تهدد حياة البشر، فسياحة المغامرات هي الوجه الرئيسي للسياحة في هذه الدولة، ومن أجل الاستمتاع بهذا النوع من الرحلات، توفر السلطات رحلات كثيرة في مختلف أنحاء البلاد وبأسعار معقولة جدا. وتأتي رياضات التزحلق على الجليد لتمثل جزءا مهما من مقومات الجذب السياحي في هذا البلد الذي يعرف بأنه أحد مقاصد هواة التزحلق على الجليد في العالم، إذ يضم 12 منطقة أو محطة، و12 ساحة داخل عدد من الأندية المخصصة للتزحلق، إلى جانب توافر عدد كبير من مدربي هذه اللعبة. وتأتي رياضة تسلق الجبال لتحتل مكانة كبيرة في صناعة السياحة داخل نيوزيلندا. فهذه البلاد تتوفر على سلسلة من الجبال الشاهقة أشهرها جبال الألب الجنوبية الموجودة على جزيرة كياوا شرق البلاد، والتي يصل ارتفاعها إلى 3764 مترا، وهذه الجبال الرائعة تحتوي على أعلى القمم في البلاد، ومنها قمة جبل كوك. وعلى الرغم من أن الجبال النيوزلندية ليست الأعلى في العالم، إلا أنها تمثل تحديا كبيرا لكبار متسلقي الجبال بسبب كمية الثلوج التي تغطيها والتي تتطلب متسلقين مهرة على مستوى عال من الكفاءة ومجهزين بالوسائل الكافية التي تساعدهم بالتالي على مواجهة المصاعب التي يمكن أن يتعرضوا لها أثناء عملية التسلق. فوهات تثير الإعجاب إلى جانب الرياضات والهوايات الكثيرة التي يمكن أن يزاولها السياح في نيوزلندا، فإن هذه البلاد بطبيعتها الجغرافية المتميزة تزخر بعدد كبير من المناطق الطبيعية الخلابة والمعالم التي يصعب على الفرد نسيانها بمجرد الذهاب إليها مرة واحدة فقط، ومن ضمن هذه المعالم الساحرة هناك بحيرة «تاوبو» التي تعد أكبر بحيرات نيوزيلندا، وهي التي شهدت أكبر انفجار بركاني عرفه العالم. وهناك منتزه «تونجاريو» القومي الذي يحتوي على ثلاثة براكين يحيط بها سياج من الأراضي العشبية الخضراء، إضافة إلى جلمود صخري عملاق على امتداد شاطئ مويراكي الجميل الذي يقصده السياح لتناول أكلات من صنع محلي تثير الشهية، كلما تناولت منها طبقا إلا ورفعت يدك مطالبا بالطبق الثاني فورا. طبيعة هذه البلاد يمكن اكتشافها أيضا من خلال رحلات عبر الطائرات، حيث تبدو من الجو وكأنها سجاد ساحر. الرحلة بالطائرة يمكن من خلالها مشاهدة رونق وجمال وأسلوب أراض حباها الله بالخضرة والجمال الأخاذ، حيث لا تعرف هذه الأراضي لا الملل ولا الكلل لتزف كل فصل أريجها كاملا من الزهور والورود والماء الدافق الزلال. نيوزلندا، التي يصل إلينا منها أريج زبدتها المنتشرة في كل مدن العالم، هي خزان طبيعي وغذائي بامتياز. إنها ثلاجة العالم التي يحفظ فيها غذاءه، لكنها ثلاجة من دون كهرباء.