بعد عرضه ضمن فعاليات المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته السابعة في إطار تكريم السينما المصرية بمناسبة مرور100 سنة على تأسيسها، يعود فيلم «هي فوضى» للمخرجين يوسف شاهين وخالد يوسف إلى المدينة الحمراء انطلاقا من 28 ماي الجاري. إذ تبدأ شركة يونس للتوزيع والاستغلال السينمائي في توزيعه عبر القاعات الوطنية في أواخر هذا الشهر، وقبل العروض الرسمية سينظم المعهد الفرنسي بالمغرب عروضا متفرقة لهذا الفيلم، بمختلف مراكز المعهد بالمملكة وذلك إلى حدود يوم 24 ماي الجاري. واعتبر العديد من النقاد السينمائيين العرب أن فيلم «هي فوضى» هو واحد من أفضل الأفلام التي أنجزها شاهين في السنوات الأخيرة عن سيناريو ناصر عبد الرحمن، أحد رواد جيل كتاب السيناريو الجدد في مصر. ويعود فيلم «هي فوضى» إلى أسلوب سينما شاهين في السبعينات حين حملت أفلامه حسا سياسيا يجسد هموم المواطن ويبحث في قضاياه المصيرية لتذكر نهايته بشكل مباشر بأجواء فيلم «العصفور» الذي تناول فيه مخرج «حدوتة مصرية» هزيمة مصر عام 67 وما أعقبها. وإذا كان الشعب تتقدمه النساء خرج في «العصفور» في تظاهرة رافضة للاستسلام لتصرخ بطلته «حنحارب» ويرددها الجميع وراءها فإن النساء في «هي فوضى» خرجن في تظاهرة جديدة في حي شبرا القاهري لخوض حرب من نوع آخر: الحرب على الفساد المستشري في دوائر السلطة في مصر. وفي العمل الجديد تتقدم هالة صدقي وهالة فاخر التظاهرة الرافضة للظلم والطغيان وانتشار الفوضى. «النساء أقل قدرة على تحمل الظلم وأكثر قدرة على الثورة عليه» يقول شاهين في أحد المؤتمرات الصحافية التي أعقبت عرض الفيلم. وتؤدي كل من هالة فاخر وهالة صدقي في الفيلم دور الأم الشجاعة التي تربي وتعلم وتدفع بأبنائها إلى الأمام بينما يتمثل الفساد في شخص ضابط الشرطة حاتم الذي يغطي مرؤوسوه الفاسدون مثله تصرفاته وجرائمه إلى أن يستبيح جسد نور صبية الحي الجميلة العاشقة. وتؤدي النجمة المصرية الشابة منة شلبي دور نور المدرسة الصادقة المتزنة المتطلعة إلى مستقبل أفضل بينما يؤدي خالد صالح ببراعة دور حاتم الطامع في كل شيء إلى درجة الاغتصاب والقتل. وكان هذا الممثل المصري أدى الكثير من الأدوار الثانوية خلال مسيرته الفنية لكنه قفز إلى الصف الأول في السنوات الثلاث الأخيرة لتتكلل هذه المسيرة ببطولة «هي فوضى»، حيث يحمل عبء الفيلم على كتفيه. يصور الفيلم كيفية انسحاق الطبقة العاملة المجتهدة المكونة من كادرات صغيرة في المجتمع المصري وخضوع هذه الفئة التي لا تزال تحافظ على عزة نفسها وكرامتها وتؤمن بمستقبل أفضل. هذه الفئة هي التي تدفع ثمن ذلك الفساد من مالها وفكرها وروحها وجسدها مثل نور (منة شلبي) التي يغتصبها حاتم في الفيلم والتي تجسد نموذجا لهذا الانحراف الذي وصلت إليه السلطة وما تمارسه بحق الشعب الذي يسجن ويعذب ويقهر ويغتصب. إنها سينما الاحتجاج والغضب التي ظهرت في أفلام سابقة لشاهين وهو اليوم يعود إليها في عمل يعود لالتقاط نبض الشارع ويتحدث عن راهن مصر بعد مرحلة اهتم فيها المخرج بقصص ذاتية وضع السيناريو لها بمفرده. ولا يخلو شريط «هي فوضى» من تلك المفردات التي شكلت أساسا ثابتا لسينما شاهين والتي تتمثل في الأغنية والرقصة وأيضا التظاهرة التي تمنح فيها الكلمة عادة للشعب والمرأة التي تثور.