- لماذا هذا التحول المفاجئ إلى العمل السياسي؟ < وما الذي كنت أفعله في الداخلية غير السياسة بمفهومها العام؟ لقد كان لي شرف أن عينني جلالة الملك محمد السادس كاتبا للدولة في الداخلية، ثم وزيرا منتدبا. الداخلية هي فضاء مركزي تتم فيه ترجمة المعلومات التي تم جمعها والانتظارات المعبر عنها إلى سياسة عمومية. قبل ذلك كان لي شرف تعييني من قبل جلالة الراحل الحسن الثاني مديرا لديوان ولي العهد آنذاك. تقصدون بالطبع من خلال سؤالكم مشاركتي في اللعبة الانتخابية، أذكركم أنه سبق أن انتخبت رئيسا لجماعة بنكرير عام 1992، ثم نائبا برلمانيا عن المنطقة عام 1995. اليوم نحن نسعى إلى إيجاد أجوبة على المستوى المحلي والجهوي، وهو ما يعني أيضا ممارسة السياسة، لكن من زاوية أخرى. أضف إلى ذلك أنه بالنسبة إلي هذه هي الطريقة المثلى للتطرق إلى مشاكل المغرب. - رغم ذلك فإن الكثير من الشكوك طفت على السطح بمجرد إعلانك مغادرتك لوزارة الداخلية؟ < عندما طلبت من صاحب الجلالة، الذي لم يتردد لحظة واحدة في الاستجابة لرغبتي، أن يسمح لي بالتفرغ لخوض تجربة سياسية جديدة، قلت بوضوح إن هدفي الوحيد وطموحي هما أن أذهب لخدمة منطقتي بالاقتراب من الساكنة والاستماع إليها، وهو ما يعتبر طريقة أخرى لخدمة بلدي وملكي. لقد استعمل فريقكم البرلماني أسلوب الترحال الحزبي، وهو الشيء الذي لا يتماشى مع الخطاب الذي تتبنونه؟ < مثلي مثل أي نائب برلماني، كنت أعلم أن للفترة التي سأقضيها كمنتخب في البرلمان بعدا وطنيا. لقد كنا ثلاثة نواب، دون أي صبغة حزبية، وكان علينا أن نختار أفضل الطرق للدفع بالأفكار التي نؤمن بها إلى الأمام والمشاركة في الحياة المؤسساتية. لبلوغ ذلك، كان من اللازم علينا التوفر على فريق برلماني، لكننا كنا نريد بأي شكل أن نتجنب كل خلط. إذن لم يكن أمامنا سوى ثلاثة خيارات ممكنة: أن نبقى نحن الثلاثة محاصرين بالحدود التي يفرضها ذلك، بمعنى أن نحرم من المشاركة في المكاتب وفي اللجان، أو أن نلتحق بفريق، لكن للأسف مبدأ التحالف الانتخابي لازال لا يطبق في المغرب كما هو مطبق في دول أخرى، وهذا كان سيفرض علينا أن نلتحق بحزب معين. الإمكانية الثالثة وهي تكوين فريق من البرلمانيين الذين يتقاسمون معنا نفس الرؤية ونفس المبادئ السياسية. المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الديمقراطية هو تقبل الاختلاف وحمايته. إذن فالهم الأساسي الذي حركنا هو الفعالية، لهذا اخترنا هذا الخيار الثالث. وقد اخترنا ألا نطبقه إلا بعد أن يتم تشكيل الأغلبية، حتى لا تكون هناك تداخلات، وخصوصا أن نحصل على موافقة الأحزاب التي ينحدر منها البرلمانيون المعنيون. لقد تكون الفريق أيضا من بعض الشخصيات التي استقالت من البنيات التي كانت تنتمي إليها. كل هذه الاستقالات حرصنا على التأكد من صحتها لدى زعمائهم وإثباتها كتابيا تبعا لما ينص عليه القانون الداخلي لغرفة مجلس النواب. إذن لم يكن هناك أي «ترحال حزبي». لكن يضم هذا الفريق الذي كونتموه أشخاصا قادمين من أحزاب مشكوك في «معاصرتها»؟ < لا يمكننا أن نمارس السياسة إذا لم نكن براغماتيين. الحاصل الآن على المستوى السياسي أو حتى على المستوى الإعلامي ليس سوى انعكاس لحقيقة البلد ككل. لقد وضعنا أمام هذه الأحزاب شروطا صارمة، وكان علينا التأكد من التوافق السياسي طبعا لكن أيضا من الجانب الأخلاقي ومن ماضي الشخص. وهذا يعني، بخلاف ما كان يقال، أننا لا نهدف إلى زعزعة استقرار الأحزاب، فهناك عشرات النواب القادمين من انتماءات متنوعة أعلنوا رغبتهم في الانضمام إلينا. نحن لم نستسلم، وبقينا أوفياء لرؤيتنا التي توحد فريقنا البرلماني، والتي تقوم على التشاور مع قيادات الأحزاب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا لسنا نبحث عن طرائد نقتنصها. - ما هي علاقتكم مع الأغلبية الحكومية؟ < أود أن أبين أننا نساند الحكومة وهذه ليست مساندة نقدية، بل نحن نؤمن تماما باختيارات الأغلبية. النقد يجب أن يتم بالأحرى في إطار النقاش. إن إسهامنا كمنتخبين يجب أن يتجلى أولا في تطبيق السياسة الحكومية على مستوى الجهة. - ماذا عن «حركة لكل الديمقراطيين» هل هي حركة جمعوية أم حزب؟ غالبا ما تتم مقارنتها بجبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية؟ < سأسمح لنفسي بأن أعود قليلا إلى الوراء، لكي أشرح كيف جاءت ولادة هذه الحركة. لكن قبل ذلك سأجيبك عن السؤال الثاني، هل هي جبهة الدفاع عن الحريات؟ اليوم سيكون من المهين لذكاء المغاربة أن نصدق أن ملك المغرب في حاجة إلى حزب، وأن نقول إن هناك نابغة لا مثيل لذكائه قد خطط وحرك كل هذا السيناريو، منذ استقالتي إلى تكوين حركة لكل الديموقراطيين. لقد تغير السياق، لكن كما قلت لازال بعض الناس ينظرون إلى مغرب 2008 بنظارات الماضي. - لكن لم تشرح لنا إذا ما كانت حزبا أم جمعية؟ < الواقع إننا انطلقنا من رؤية بسيطة. مجهود كبير وتقدم لا يمكن تجاهله حصل في المغرب خلال السنوات الأخيرة، لكنه لم ينعكس على المجال السياسي كما ينبغي. كنا دائما نعتقد أن هذا التيار القوي الموجود بين الناس من أجل عصرنة مغرب ينظر إلى ماضيه لكن أيضا يتطلع إلى أن يستفيد منه في مستقبله، ويحاول أن يستثمره خلال 2007 من خلال الاعتماد على توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة وعلى تقرير الخمسينية ومدونة الأسرة. في شتنبر 2007 كانت النتائج صادمة: كان هناك غياب كبير لتعبئة النخبة والمواطنين. لقد وجدنا أنفسنا، بعد هذا الاكتشاف، مضطرين إلى إيجاد وسائل للتعبير عن هذا التيار. وكنا أمام خيارين مشروعين: حزب سياسي أو جمعية. فاخترنا الجمعية، فالسياسة ليست سوى مظهر من مظاهر الحركة، لقد أردنا فتح نقاشات، أردنا أن نهتم بالرياضة، بالثقافة، بالتنمية، بالتضامن، بالموروث وبالهوية. إن هدفنا هو أن نعطي الإطار المناسب للتعاون المحلي والجهوي بين المنظمات غير الحكومية، لماذا لا تكون لدينا فرقنا في كرة القدم وبنكنا للقروض الصغرى ومجموعتنا الإعلامية الخاصة بنا؟ - ستكونون أيضا مطالبين برفع الغموض؟ < بالتأكيد، داخل حركتنا هناك أراء متعددة، طبعا لا تكون السياسة غائبة عنها. هناك أشخاص يريدون أن يمارسوا في المقام الأول السياسة، وبالتأكيد هذه الحركة هي في حاجة إلى ذراع سياسي. تشكل الانتخابات الجماعية بالنسبة إلينا محطة أساسية وسوف نستثمرها بكل ما نملك من قوة. - هل ستكتفون بالجمع بين الأحزاب السياسية أم أنكم ستبدأون معا في تكوين شيء آخر اعتمادا على الاتصالات المتقدمة الجارية حاليا مع عدد آخر من الفاعلين السياسيين؟ < هناك لجنة تضم مكونات مختلفة تعمل على هذه النقطة وبإيقاع مكثف. لا يمكنني حاليا أن أجيبك عن هذا السؤال، لكن ما يمكنني أن أقوله لك هو أنه سيكون للحركة تعبير سياسي وستكون لها تحالفات مع فاعلين آخرين، وأنها لن تسمح بأن تتقزم في هذا البعد الذي هو ليس إلا جزء من كل. - يبدو أنكم تستبعدون حزب العدالة والتنمية؟ < أنا لم أقل هذا، أنتم من يقوله الآن. داخل حركة لكل الديمقراطيين، نحن نحاول أن نجمع أصحاب الإرادات الخيرة ونتحالف مع القوى الحية في البلاد للمساهمة في تحقيق المشاريع البنيوية التي أطلقها جلالة الملك عبر المملكة. في ما يتعلق بحزب العدالة والتنمية، أريد أن أبين أنه ما دام يحترم المبادئ الأساسية التي تقوم عليها المملكة فإنه لا يجب أن نتعامل معه على أنه حزب هين ولا على أنه شيطان.... - علاقتك المتميزة مع الملك جعلت الشكوك تحوم حول مدى استقلالية حركتك؟ < أولا أنا فخور بهذه العلاقة التي هي علاقة قديمة، ثانيا يجب أن نعلم أن المؤسسة الملكية لم تكن أبدا مدعمة وموحدة كما هي اليوم. جلالته اليوم حريص على أن يكون دائما على علاقة مباشرة مع شعبه، في استمرار لتوجه القرب والاستماع الذي كان ينهجه منذ أن كان وليا للعهد. إن ملك جميع المغاربة ليس في حاجة إلى أي أحد لكي يتواصل مع شعبه، كما أنه ليس له معسكر أو حزب. - هل تعمل حركة لكل الديمقراطيين بطريقة ديمقراطية؟ < سواء في شبابي أوخلال أدائي لمهامي، بجانب صاحب الجلالة، أو حتى الآن، لم أكن أبدا أستطيع العمل إلا في إطار فريق، مع قدرة كبيرة على الاستماع، وعلى الاعتراف بأخطائي. من المهين لذكاء أعضاء الحركة أن نتهمهم بأنهم مجرد تابعين. - لا بد أنك سمعت بحديث عن تعديل حكومي محتمل؟ < لقد وضعت الحكومة الحالية للتو خارطة طريقها، واستراتيجيتها في هذا القطاع أو ذاك. لا يجب أن نحكم على حكومة ما في بدايتها، في الوقت الذي بدأت فيه للتو في العمل، ولدي إحساس بأن الحديث عن التعديل ما هو إلا محاولة لزعزعة استقرار هذه الحكومة وخاصة وزيرها الأول عباس الفاسي. وعلى كل فإن جلالة الملك هو صاحب السلطات الدستورية في هذا المجال وليس المراقبون الخارجيون. بتصرف عن مجلة «لاغازيت» ترجمة سناء ثابت