في هذا الحوار، يتحدث حسن هموش إلى «المساء» عن الحضن غير الدافئ الذي ولد فيه مهرجان مراكش الدولي للمسرح، وعن الإمكانات المادية القليلة التي يعمل في شروطها، وأيضا عن «الشوكات» غير الذهبية التي تخز جسد الممارسة المسرحية المغربية الخارجة من سنوات المحسوبية الطويلة. يصادف هذا الحوار اليوم الوطني للمسرح، الذي ضاق به الحلم وضاقت في وصف حاله العبارة. هنا نص الحوار، فالخبر مقدس والتعليق حر. - بلغ مهرجان مراكش الدولي للمسرح دورته الخامسة، هل استطعتم في إدارة المهرجان أن ترفعوا من سويته في هذه الدورة؟ < من الطبيعي أن يتطور المهرجان دورة بعد أخرى، فإذا كانت الدورات السابقة قد حاولت أن تؤسس لهذا المهرجان في مدينة مراكش، فإن الدورة الخامسة بالنسبة إلي تعتبر مرحلة من مراحل النضج في عمر المهرجان وتجسيدا لبعده الدولي، ففي هذه الدورة تحضر فرق من عدة دول أوربية، مثل هولاندا وإسبانيا وإيطاليا وسويسرا، كما تحضر السويد فعاليات المهرجان باعتبارها ضيف شرف هذه الدورة، وفضلا عن ذلك تشارك فرق عربية من مصر والجزائر، بالإضافة إلى أن المهرجان يخلد أيضا اليوم الوطني للمسرح بمشاركة فرق مغربية. ويكرم المهرجان شخصية مسرحية من مدينة مراكش هي شخصية المسرحي المهدي الأزدي. وعلى هامش المهرجان، سينظم الأسبوع الثقافي الفني السويدي، حيث يشتمل الأسبوع على عروض كوريغرافية وعروض أطفال وموسيقى، بالإضافة إلى ورش وعروض فن الفيديو. ويتضمن الأسبوع، بالإضافة إلى ذلك، ندوة مركزية ودورات تكوينية. - هل تعتقد أن هناك حاجة إلى تنظيم مهرجان مسرحي دولي في مراكش، أم إن الأمر مجرد موضة؟ < لقد قمنا قبل إطلاق المهرجان، منذ خمس سنوات، بمسح عام للأنشطة الثقافية والمسرحية التي تحتضنها مدينة مراكش على مدار السنة، واستخلصنا من خلال نتائج المسح أن المدينة تعاني من فقر في الأنشطة الثقافية الجادة والتي تتوجه إلى جمهور متنوع، مغربي وأجنبي، وبالتالي لمسنا الحاجة إلى مهرجان مسرحي دولي يلبي حاجة المدينة إلى هذا النوع من الفرجة وبلغات مختلفة. ومن ثم كان الذهاب نحو التجربة المسرحية الأوربية من أجل الإفادة منها ومن أجل أن نقدم تجاربها الجديدة إلى المشاهد المغربي، ولم لا استهداف جمهور آخر، قد يمثله سياح أو قادمون من مدن أخرى. ولعل ما دفعنا إلى الإقدام على هذه التجربة أيضا هو رد الاعتبار إلى مدينة مراكش التي كانت رائدة ورافدا من الروافد الأساسية للمسرح المغربي. لقد عاشت المدينة حالة جمود مسرحي، وهي المعروفة بانتمائها إلى الفرجة، حيث وجدنا أن عدد العروض المسرحية في السابق لا يتجاوز 7 عروض، وهذا رقم ضعيف قياسا إلى تاريخ المدينة الفني.. هذه كلها معطيات دفعتنا إلى الإقدام على إخراج فكرة مهرجان دولي للمسرح إلى حيز الوجود. - كيف تم التعامل مع المسرحيات المشاركة، هل بناء على معايير في الاختيار أم إنكم كنتم متساهلين في قبول العروض المشاركة؟ < في الحقيقة لم نكن متشددين في عملية اختيار العروض، وأرى أنه مع كون المهرجان في دوراته الأولى، فإننا لا يمكن أن نكون متشددين، ولا يمكن بالتالي أن نملي شروطنا، وإذا أردنا التشدد فإن هذه الشروط لن تكون إلا احترافية، ولكننا في كل الأحوال استطعنا، من بين 47 طلبا توصلنا بها، أن نختار أجود الفرق، وهي كلها فرق احترافية ولها تاريخ في الممارسة المسرحية. - مهرجان دولي بدون مسابقة رسمية ولا جوائز، ألا يضعف ذلك من مصداقية ما تقومون به؟ < لقد فكرنا في الأمر طويلا، وكان أملنا أن تكون للمهرجان مسابقة رسمية وجوائز، لكن الإمكانات المادية حالت دون بلورة هذا الطموح، فنحن نتحرك بإمكانات شبه معدومة وبدون سند تقريبا، اللهم من الشركاء التقليديين من قبيل وزارة الثقافة وولاية مراكش. وفي هذه السنة قدمت إلينا الولاية دعما قدره 150 ألف درهم، وهي خطوة إيجابية، لكنها لا تكفي لتمويل برنامج مهرجان احترافي بكل المواصفات الاحترافية التي نعرفها. ذلك أن المهرجان يحتاج إلى تمويل قار وإلى تدبير محكم ليوميات المهرجان. وإن كنا قادرين على التدبير الأدبي للمهرجان، فإننا في الفترة الراهنة غير قادرين على تدبيره من حيث التكلفة المالية، ونتمنى أن تكون الدورة السادسة في العام المقبل نقطة تحول في مسيرة المهرجان في مدينة من عيار مدينة مراكش التي تتحول اليوم إلى مدينة دولية على كل المستويات. - هناك من يقول، على سبيل السخرية، إن من يستيقظ باكرا يجمع «شلته» ويؤسس شيئا اسمه مهرجان دولي، كيف تنظر إلى فوضى هذه المهرجانات في المدن المغربية؟ < أجدني أتفق مع هذا التصور.. من يستيقظ باكرا يؤسس مهرجانا، فهو لا يبالغ حين يصف حمى المهرجانات الدولية وغير الدولية في المغرب، ففي المدينة الواحدة، مثل مدينة مراكش، تجد أكثر من مهرجان دولي على مدار السنة، هذا وإن كان أمرا طبيعيا فإنه، من جهة أخرى، يؤشر على صراع مواقع أكثر من أي شيء آخر، في الوقت الذي كان فيه من الممكن تماما تجميع الطاقات ومظافرتها وتوحيدها، والاكتفاء بمهرجان واحد دولي أو وطني في المدينة الواحدة قادر على صنع الحدث الثقافي والفني. والأمر كله يعود إلى غياب إرادة تنسيق وتصور محكم، والسبيل الوحيد هو خلق تنسيقية في مراكش وعلى الصعيد الوطني لوضع خطة محكمة على الصعيد المحلي والوطني، حتى تكون روزنامة المهرجانات الوطنية مضبوطة، وحتى لا يقع نوع من التضارب في المواعيد أو تشابه في التخصصات.. لا بد من أن تكون لنا مهرجانات متخصصة ومتوجهة إلى فئات اجتماعية معينة، مثلا: مسرح الأطفال، مسرح اليافعين والشباب، ومسرح الكبار.. هذه أمور جوهرية وفي غاية الأهمية. - يصادف مهرجانكم اليوم الوطني للمسرح، بأي حال يهل هذا العيد؟ < لو قيمنا الحصيلة المسرحية أو ما تحقق منها، لقلنا إن هناك بوادر تطور ملموسة، لكنها غير كافية، إنها مجرد بدايات من مثل تعاضدية الفنانين أو الدعم المسرحي، لكن طريق النضال المسرحي في بدايته وبالتالي فمطالب المسرحيين التي انتظرت طويلا تؤخذ ولا تعطى. - هل أنت ممن يعلقون الآمال العراض على شخص وزيرة الثقافة في النهوض بالقطاع المسرحي؟ < لا يمكن الآن إصدار حكم نهائي على ولاية ثريا جبران، فهي لم تمض في الوزارة أكثر من 6 أشهر، لكننا نراهن بالفعل على معرفتها الدقيقة واليومية بالمشاكل المزمنة للمسرح المغربي ولطبيعة تدبير هذا القطاع التي اتسمت بالكثير من الارتجالية ومن الولاءات الفارغة، لقد حان الوقت لتجاوز الزبونية والمحسوبية وأصحاب الامتيازات الذين غرفوا طيلة هذه الفترة من المال العام. اليوم لا بد أن تكون هناك عدالة مسرحية وأن نرتفع عن الاسترزاق المسرحي، فالحق في تدبير القطاع على قواعد الشفافية مطلب عام حتى تكون فرص الخلق والإبداع متاحة أمام الجميع. - وأنت كيف تقرأ تجربة الدعم المسرحي؟ هل أدى وظيفته أم إنه وصل إلى الباب المسدود؟ < إذا كانت سياسة الدعم المسرحي قد أدت وظيفتها عند انطلاقتها من حيث خلق دينامية في المشهد وفتح الطريق أمام جيل الخريجين من المعهد العالي للفنون الدرامية لإنتاج مشروعاته المسرحية الأولى، فإن تلك الدينامية لم تعد موجودة، وأصبح من الضروري الارتقاء بالممارسة المسرحية إلى مستوى آخر من التدبير الذاتي، وهذا هو الباب الذي يجب أن يسلكه الدعم المسرحي، أي أن يتحول إلى وسيلة وليس إلى غاية. - والفرق الجهوية، هل نجحت كتجربة أم إنها منيت بالفشل؟ < من وجهة نظري الشخصية، أعتقد أن تجربة الفرق الجهوية قد واجهتها الكثير من العقبات، وبالتالي فإنها لم تنجح باعتراف المسؤولين عليها أنفسهم، لقد انطلقت تلك التجربة بدون أن تتطور في الوقت الذي كان فيه من الممكن أن تتحول الفرق الجهوية إلى مراكز للبحث الدرامي تنتج أعمالا وفق سياسة ثقافية واضحة. لم يتحقق ذلك، وذاك هو المطب.