نظمت شعبة اللغة العربية مؤخرا بالمدرسة العليا للأساتذة بتطوان، في إطار سلسلة «تجارب إبداعية - الحلقة الثانية» لقاء مفتوحا مع الروائي المغربي د. محمد عز الدين التازي بقاعة المحاضرات. في بداية اللقاء قدمت الباحثة والشاعرة لبنى الفقيهي الروائي إلى جمهور الكتاب والأساتذة والطلبة الحاضرين، بوصفه علامة مضيئة في مسار الرواية العربية الحديثة.. علامة فرضت نفسها منذ أن فوجئ القارئ بروايته الأولى، فأدهشتهم لما تنطوي عليه من تقنيات جديدة وخصائص روائية مميَِّزة غير معهودةٍ ولا مسبوقة، مؤكدة على أن هذه الدهشة سرعان ما تحولت إلى إعجاب وفتنة، صار المتخيل معهما يرتاد آفاق الحلم والصورة، بما يفضيان إليه من إعادة وصف العلاقة بالعالم وتجديدها. وعندما اطلع القارئ على أعماله اللاحقة، شعر بأن فتحا لأفق جديد على مستويات السرد القصصي قد دشن أمام الرواية المغربية والعربية، بل إن هذا الفتح جعل من الرواية العربية تبني أسئلتها الجمالية في ضوء المنجز الروائي الجديد. من جهة أخرى، أَكَّدَ عز الدين التازي أن رؤية الشخصيات الروائية للعالم، بما فيها من تعدد ومغايرة، تجعل الرواية في قلب المجتمع، ودافع عن أن هذه النظرة، بتعددها، تمارس نوعا من النقد للذات وللمجتمع وللسلطة والأحزاب، ومن ثمة فالرواية تتحرر من الروائي، لأنها بتعدد مواقف شخصياتها ورؤيتها للعالم، تنظر إلى العالم بعدة عيون، لا بعين واحدة. كما أن خطاب الرواية، التخييلي، هو خطاب يختلف عن خطاب السياسي والسوسيولوجي والمحلل الاقتصادي، من حيث احتواؤه لعالم أوسع، تقيم فيه الذات الفردية والجماعية بهواجسها وأحلامها وتطلعاتها وإحباطاتها، وهو عالم يشمل زخم اليومي، كما يشمل التاريخي والأسطوري والحلمي. تحدث عن رواياته الثماني عشرة المنشورة، محاولا القبض على مختبراتها السردية، ومحكياتها الذاتية، والتاريخية، والحلمية، والأسطورية، وتحدث عن محكي الذاكرة وأهمية حضوره في كتاباته، موضحا أن الذاكرة في كتاباته فردية وجماعية، وهي، في الحالتين معا، مثخنة بالكثير من الجراح. اعتبر أن الكتابة الروائية قلق مضاعف، فمن جهة هو قلق أفراد تمثلهم الشخصيات، ومجتمع يتحول، وهو من جهة ثانية قلق الرواية وهي تسعى إلى التعبير عن مجتمعها، من خلال الاشتغال على الكتابة، والشكل، واللغة، والرمز، والدلالة. وقف عند فضاءات المدن التي حضرت في رواياته، وخاصة منها فاس وطنجة، واصفا تجربته مع كتابة الفضاء بأنها لم تقف عند مجرد إدارة أحداث الرواية في خرائط الأمكنة، كما أن المكان ليس مجرد خشبة للمسرح تدور فيها الأحداث، بل إن تجربته تعيد تشكيل الأمكنة بعمقها التاريخي وحياتها الخاصة وما تزخر به من حياة وما تعيشه من موت في الحياة.ورأى أن الرواية لا تنتج خطابا أخلاقيا ولا تتجه نحو كتابة «الأدب الرفيع» و«الأدب الخالص» ولا تسعى نحو توجيه رسالة دينية أو أخلاقية أو سياسية، فرسالتها تكمن في شهادتها على المجتمع الذي تُصَوِّرُه، بكل تناقضاته وتعدد خطاباته. كما أن الروائي لا يوجد كصوت في الرواية، لأن الأصوات المتعددة فيها هي أصوات الشخصيات. ونفى أن يكون قد كتب سيرته في رواياته، معتبرا أنه لو كان قد استمد عوالم رواياته من حياته الخاصة، لكان قد استنفد ما لديه من تجارب في الحياة، وصفها بأنها عادية ومحدودة، ولا شيء فيها خاص واستثنائي، بينما تستمد رواياتها وجود أحداثها وشخصياتها من قليل من المعايشة، وكثير من التخييل. وذكر أنه يتعجب لشخصيات هو من خلقها من الخيال، وكيف أصبحت مقنعة بواقعيتها. وقال التازي إنه قد ترك العمل السياسي منذ منتصف السبعينيات، بعد أن انتبه إلى أن الكتابة الروائية يمكنها أن تمارس نقد الذات ونقد المجتمع ونقد السلطة والأحزاب. قال أيضا إنه لا يحب العيش في الزحام. لا يطمح إلى منصب ولا يتاجر بما يكتب، وهاجسه الأساس في حياته هو الحياة التي تحياها الشخصيات في متخيل الكتابة. تحدث بشفافية عن علاقته بالنشر، وبالمال القليل جدا، الذي جناه مما كتبه من أعمال، وبقرائه وأصدقائه الروائيين، واعتبر أن علاقته اليومية بالكتابة، على ما فيها من مغامرة شاقة، تملأ حياته اليومية، وتُخْرِجُهُ من العزلة والصمت، ليتحدث مع كائنات رواياته، المحتملة.