بروكسل مدينة عربية، أو من الأفضل القول إنها مدينة مغربية. هذا على الأقل ما يلحظه الذي يزور هذه المدينة البلجيكية أول مرة. أسواق شعبية فيها كل البضائع المغربية. قزبور، نعناع، بصل، توابل من كل الأنواع وملابس مستعملة وسحنات مغربية أصيلة. يمكن للزائر أيضا أن يلحظ تلك الأزياء التي يرتديها المهاجرون المغاربة، بدءا بالجلابيب، ومرورا بالرزة الأطلسية، وانتهاء بالقفطان في المنازل والحفلات. من يقول إن بروكسل مدينة أوروبية مائة في المائة فهو مخطئ بالتأكيد، لذلك فإن التجول بين شوارعها، وخصوصا في المنطقة التي يتركز فيها المهاجرون المغاربة، يجعل الزائر يحس بالكثير من الألفة والحميمية مع هذه المدينة المتناقضة في طباعها وأجناسها وألوانها، والوجوه التي يلقاها الزائر تذكره، في كل وقت وحين، بأنه بين أهله. في بروكسل توجد أيضا الكثير من المطاعم التي يحس الداخل إليها أنه في مدينة مغربية. وليس من الغريب أن يعثر الزائر على وجبة الكسكس أو البيصارة أو الطاجين. ومن فرط وجود أكلات مغربية كثيرة في المدينة، فإن كلمات مثل «طاجين» أو «كسكس» أصبحت كلمات أوروبية، بل إنها دخلت القاموس ككلمات محلية. وفي كل الأحوال، فإن بروكسل ليست فقط عاصمة «عربية» في مجال الأكل، بل إن شهرتها في هذا المجال أصبحت ذائعة الصيت في كل أوروبا، لذلك فإن السياح الأوروبيين يقولون إن بروكسل عاصمة أوروبية ليس في السياسة والمؤسسات الإدارية والحكومية فقط، بل في الأكل أيضا. وهناك مقولة شائعة في أوروبا تقول إن «من يريد الأكل الجيد فليذهب إلى بروكسل». وبما أن البلجيكيين يحبون كثيرا أكلات السمك، وبما أن سمك السلمون هو «ملك الحوت»، فإن مطاعم بروكسل تتفنن في طبخ هذه السمكة العجيبة بكثير من الإتقان والمتعة. وفي ساحة «غران بلاص»، توجد الكثير من المطاعم الشهيرة التي تقدم كل أنواع الوجبات، مع خاصية فريدة وهي أن الأكل في هذا المكان مرتفع السعر قليلا مقارنة مع باقي مناطق المدينة، وهذا شيء يمكن اعتباره طبيعيا لأن ظاهرة تنوع الأسعار في المطاعم موجودة في مختلف مدن العالم. لكن بروكسل تتميز بخاصية الاختلاف، لذلك فإن من يزور مناطقها الأخرى سيرى أيضا مدينة مختلفة وعاصمة حقيقية للاتحاد الأوروبي. إنها تضم الكثير من المؤسسات التي تعكس الثقافة الأوروبية، وتعكس أيضا عقلية الوحدة بين مختلف بلدان الاتحاد، وهي وحدة صنعتها الإرادة السياسية ولم تصنعها اللغة أو المزاج، لأن بلجيكا نفسها موزعة بين عدة قوميات وعدة لغات، ومع ذلك فإنها تصنع وحدتها عبر الانسجام بين الجميع. تتميز بروكسل بتوفرها على كثير من الساحات والمآثر والمتاحف والمسارح. إنها عاصمة دولة بلجيكا، وهي أيضا عاصمة الاتحاد الأوروبي، لذلك فإنها تقدم نفسها بصفتها المدينة الأجدر بحمل هذه الألقاب، واختيارها عاصمة لأوروبا لم يكن صدفة أو اختيارا عبثيا. تعكس ساحات بلجيكا الثقافة الأوروبية بشكل عام، لذلك سيجد الزائر فيها انعكاسا لمختلف الثقافات، وسيعثر بالتأكيد على تماثيل مثل تمثال دون كيشوت ديلا مانتشا راكبا حصانه الشهير، وإلى جانبه خادمه الأبله بانتشو. إن ساحة إسبانيا التي يوجد فيها التمثال واحدة من الساحات الكثيرة التي تؤرخ كل واحدة منها لثقافة أوروبية معينة. الذين يعشقون التبضع في بروكسل سيجدون سلعا فريدة في متاجر المدينة. يمكنهم أن يزوروا «غاليري سان هوبير»، وهو مركز تجاري فريد توجد فيه سلع لم يرها الزائر من قبل، وهي أيضا سلع باهظة السعر للسائح العادي، حيث يمكن شراء حقيبة نسائية يدوية بما لا يقل عن 1500 أورو، كما توجد فيه متاجر راقية تعرض أفضل أنواع الشوكولاته، أو أنواعا من الملابس لا توجد سوى في أرقى المحلات الأوروبية. بروكسل تتوزع إذن بين الأسواق الشعبية التي يمكن العثور فيها على ملابس شبه مستعملة بأورو واحد، وبين ملابس بسعر الذهب. إنه التناقض الذي يصنع تميز هذه المدينة. تربط بين مناطق بروكسل شبكة من المواصلات الحديثة التي تبدأ من المترو وتنتهي في العربات السياحية. لكن بما أن أغلب معالم بروكسل متقاربة المسافة، فإن الكثير من السياح يفضلون التنقل في ما بينها مشيا على الأقدام. ومن الأشياء الطريفة في بروكسل أن عددا كبيرا من سائقي سيارات الأجرة هم من المهاجرين العرب أو المسلمين. الكثير من هؤلاء مغاربة ولبنانيون ومصريون وتونسيون أو باكستانيون أو هنود. وهؤلاء يلعبون دورا مزدوجا في مهنتهم، أولا يقومون بدورهم الطبيعي في سياقة السيارة، وثانيا يصلون الرحم بمواطنيهم من السياح الذين يركبون معهم، وهو ما يجعل الجلوس إلى جانب هؤلاء السائقين العرب متعة في مجال التعارف والتعرف على معالم المدينة من دون تكلف.