عند حدود الساعة العاشرة من صباح يوم أمس الخميس، تكدس المئات من المواطنين أمام مقر الاتحاد المغربي للشغل، مرددين شعارات ومطالب الشغيلة التي احتفلت باليوم العالمي للشغل في أجواء باهتة. نفس الشعارات والمطالب التي رفعت في السنة الماضية وما قبلها «الحق في الشغل، والرفع من الحد الأدنى للأجور، والتسجيل في صناديق الضمان الاجتماعي....»، وغيرها من الشعارات التي ألفها المرددون والسامعون على حد سواء. المشاركون في الاحتفالات اكتفوا بالاستماع إلى كلمات ممثلي المركزيات النقابية، التي كانت الصوت الوحيد العالي هناك، مكتفين برفع لافتات، في صمت، دونت عليها مطالب كل فئة. بعض المشاركين ممن لفحتهم حرارة الشمس جلسوا القرفصاء مسلمين أظهرهم لأشعتها الحارقة، وسابحين في عوالم بعيدة كل البعد عما يعيشونه. تراهم تائهين، غير آبهين بكل ما يقال. يقول أحد المشاركين من العاملين بمطعم الشاطئ: «لا شيء يتغير مهما صرخنا لذلك فالصمت أحسن». ويضيف زميله الذي انشغل بإعداد لافتة تحدد مطالب عمال المطعم: «غير كنديرو الفال وصافي ولكن اللي في راسهم راه في راسهم». الكلمة التي ألقتها ممثلة الاتحاد ضمت نفس المطالب السابقة، مع إضافة بسيطة واحدة هي التنديد بالمحرقة التي وقعت بليساسفة وراح ضحيتها عشرات العمال الكادحين. المعطلون كانوا أبرز المشاركين في احتفالات عيد الشغل لهذه السنة، فكل المجموعات التي تنضوي تحتها الفئات العاطلة خرجت للمشاركة في المسيرات التي انطلقت من أمام مقر المركزيات النقابية لتجوب بعض شوارع الرباط، لينتهي كل شيء. يقول محمد، وهو عضو في المجموعات الأربع للعاطلين: «نحن نستغل كل مناسبة لنعبر فيها عن استيائنا وسخطنا على الأوضاع التي نعيشها من دون شغل». ويضيف بحنق: «لدينا أمل كبير في أن يصير فاتح ماي ذات يوم يوم احتفال فعلا وليس يوم احتجاج». كان المعطلون يرتدون أكياس القمح الزرقاء والصفراء ويعصبون رؤوسهم بلافتات تطالب بالحق في الشغل، فيما نصب آخرون نعشا كبيرا ضمنوه تعازيهم لأسر وعائلات العمال الذين احترقوا في مصنع الموت بليساسفة، فهذه المحرقة كانت العنوان الجديد الذي أضيف إلى الكلمات والخطب التي ألقيت خلال الاحتفالات الباهتة لهذه السنة. يقول هشام ذو 30 عاما، وهو ضمن مجموعة المعطلين: «الحكومة تريدنا أن نشتغل في أي شيء على أن نتظاهر أمام حصنها البرلماني، ولقد أبانت محرقة ليساسفة عن نتائج القبول بالاشتغال في أي شيء». غير بعيد عن أفواج المعطلين المتراصة أمام مقر الاتحاد المغربي للشغل، تكدست جموع ممثلي الحركة الأمازيغية المميزين بلافتاتهم ذات اللون الأسود والأصفر، هؤلاء، الذي ظلوا في مؤخرة القافلة، رفعوا شعارات تدافع عن الأمازيغية وتندد بارتفاع الأسعار وانتهاك حقوق العمال. المعطلون وممثلو الحركة الأمازيغية كانوا أبرز المشاركين في احتفالات فاتح ماي، أما غيرهم من العمال والطبقات الكادحة فقد مكثوا في بيوتهم لقضاء ما اعتادوا قضاءه خلال يوم الأحد، وتجنب الإصابة بضربة شمس لا يملكون ثمن العلاج منها، يقول أحد المارين من أمام الحشود المتراصة بعجالة. قواعد الفيدرالية الديمقراطية للشغل تمردت على خطاب قيادتها بمناسبة مشاركتها في الحوار الاجتماعي، عندما بادرت، خلال احتفالها بعيدها الأممي أمس بالرباط، إلى رفع شعارات مناوئة لحكومة عباس الفاسي. ولم يتوان أتباع الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل الاتحادي، الطيب منشد، في مهاجمة تعاطي الحكومة، التي تضم وزراء من الاتحاد الاشتراكي، مع الملف الاجتماعي ومشاكل الطبقة العاملة ككل. ومن بين أقوى الشعارات التي جرى ترديدها خلال التجمع الخطابي للفيدرالية بساحة باب الأحد بالرباط: «لاعباس لا مزوار.. عليك لامان عليك لامان»، ثم «أولادكم هربتوهم.. وأولاد الشعب حرقتوهم» في إشارة إلى محرقة مصنع لسياسفة بالبيضاء. واعتبر خطاب الفيدرالية أن تجديد دعوته إلى خوض إضراب وطني يوم 13 ماي 2008، يأتي نتيجة ل«عدم تحقيق العرض الحكومي بمناسبة الجولة الرابعة من الحوار الاجتماعي أي تقدم في شقه المتعلق بتحسين القدرة الشرائية بالخصوص»، وقال أحمد بنشرقي، عضو المجلس الوطني للفيدرالية والكاتب العام للاتحاد المحلي للفيدرالية بالرباط في تصريح ل «المساء»: «إن الوضع الاجتماعي على عهد حكومة عباس الفاسي ينذر بالمزيد من الكوارث»، قبل أن يطلب ب»تحلي العرض الحكومي بشجاعة أكبر». وقلبت مشاركة قطاعات نقابية، منضوية تحت لواء الاتحاد العام للشغالين بالمغرب المقرب من حزب الاستقلال ذي الأغلبية الحكومية، كل التوقعات عندما وجهت انتقادات وصفت ب«اللاذعة» إلى حكومة عباس الفاسي. وزرعت تلك القطاعات الروح في مشاركة أتباع محمد الأمين الاندلسي، في احتفالات فاتح ماي2008، حين انتقدوا سياسة التقشف التي أعلن عنها الوزير الاستقلالي قبل أسبوع، حيث رددوا شعار «سياسة التقشف.. شي ياكل وشي يشوف». وحملت نقابة الاتحاد العام، على واجهة سيارة أجرة، رسما كاريكاتوريا كبيرا للمندوب السامي للتخطيط الاتحادي أحمد الحليمي، وهو غارق وسط الأرقام في إشارة إلى أن «التخطيط الجيد يساوي التنمية» كما جاء في ذلك الرسم. وفي شارع الحسن الثاني، قرب حديقة حسان، بدا الحضور في احتفالات الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب بعيد العمال باهتا للغاية. بعض العمال والملتحين أحاطوا بالمنصة رافعين شعارات تندد بالزيادة في الأسعار وتحمل الحكومة مسؤولية تهديد السلم الاجتماعي، وتطالب بإنهاء احتلال مدينتي سبتة ومليلية وطي صفحة الاعتقال والحصار للعمل النقابي والسياسي، وهتف الحضور: «حكومات التسويف، لا زيادة لا توظيف»، و«لا تنازل لا خضوع، الكرامة حق مشروع» و«العلاوات بالملايين، وأولاد الشعب محرومين». وعزا مصدر موثوق، رفض ذكر اسمه، من داخل الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، النقابة التابعة لحزب العدالة والتنمية، ضعف المشاركة هذا العام مقارنة مع العام السابق إلى ما أسماه بالخلل التنظيمي في الاتحاد، وقال إن السبب وراء تراجع موقع الاتحاد وسط الطبقة العاملة في الفترات الأخيرة أصبح يتأثر بالبيروقراطية السائدة فيه، وضعف التجاوب مع الشغيلة، وأرجع سبب ذلك إلى تعدد المهام لدى المسؤولين في الاتحاد، مستدلا بالكاتب الجهوي الذي هو نائب برلماني ومستشار في جماعة يعقوب المنصور وعضو في حزب العدالة والتنمية وفي حركة التوحيد والإصلاح في وقت واحد، مما يتسبب في تعطيل الأداء النقابي للاتحاد، مضيفا أن ذلك كله يتم على حساب المقرر التنظيمي للمركزية النقابية الذي ينص على عدم تعدد المهام، معلقا بالقول: «حرام علينا حلال عليهم».