خلال الأسبوع الثقافي الذي أقامته دار أخبار اليوم في الكويت، طلب مني المهندس محمد عهدي فضلي رئيس مجلس الإدارة أن ألقي محاضرة عن موسوعة «وصف مصر» بمناسبة اقتناء مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي نسخة نادرة منها، رحبت على الفور، قبل سفري أخرجت المجلدات التي ترجمها المرحوم زهير الشايب صاحب المبادرة الفردية الفريدة في نقل هذا العمل الموسوعي إلى العربية، كذلك المجلد الذي يحتوي على لوحات مصر العليا والذي أتيح لي أن أقتنيه من الكتاب، إضافة إلى ترجمة الصحف التي أصدرها نابليون بونابرت بالفرنسية لضباط وجنود الحملة وقد ترجمها إلى العربية المرحوم الدكتور صلاح الدين البستاني، كانت فرصة لاستعادة هذه النصوص وتأمل اللوحات قبل أن أسافر إلى الكويت، إلا أن المفاجأة الحقيقية كانت المكتبة التي لا أعتقد أنه يوجد مثيل لها في العالم، إذ إنها متخصصة في الشعر فقط، وتضم مائة ألف مجلد تتصل كلها بالشعر، سواء الدواوين أو الدراسات، ومكتبة الكتب النادرة التي اقتناها عبد الكريم سعود البابطين وإليها تمت النسخة النادرة من موسوعة «وصف مصر» والتي حصل عليها من لندن في أحد المزادات، تقع المكتبة في قلب مدينة الكويت، صممت على هيئة كتاب مفتوح، وراعى مصممها التوفيق بين الحداثة العصرية والخطوط التراثية القديمة للعمارة العربية، ويغلب على المدخل الجميل المؤدي إليها الطابع الأندلسي المنتشر في المغرب، والملاحظ أن للعمارة الأندلسية المغربية تأثيرها قوي في الخليج، هذا من ناحية الشكل، أعجبني في التصميم المعماري الشكل، كتاب مفتوح على البحر، أمامه الخليج مباشرة، ورغم جمال العمارة، وفرادة التصميم إلا أنه لم يأت على حساب المضمون، بل عمل على خدمته، من أي طابق يمكن رؤية قاعات وطوابق المبنى عبر الجدران الزجاجية، المسرح يعد الأفضل في حدود خبرتي بأماكن العرض الكويتية، أما قاعات الإنترنت فتكفل الاتصال بمكتبات العالم الكبرى والصحف والمجلات والاطلاع على محتوياتها، مركز الثقل في المكتبة محوران الأول ما يتصل بالشعر، حيث تحتوي المكتبة على جميع ما يتصل به، وتعمل الآن على استكمال جمع الرسائل الجامعية في جامعات الوطن العربي والعالم، أما المحور الثاني فهو تلك المجموعة النادرة التي اقتناها عبد الكريم سعود البابطين والتي أهداها إلى المكتبة التي أسسها شقيقه، وقد بذل جهدا كبيرا ومالا كثيرا لاقتناء هذه المجموعة التي تضم مخطوطات نادرة، وطبعات فريدة للكتب العربية في البلدان الأوروبية يرجع بعضها إلى القرن السادس عشر، بعد اختراع المطبعة مباشرة، وقد لفت نظري كتاب غريب بعنوان «كتاب الاستعداد للموت» تأليف الفونسيوس ليكوري، أسقف مدينة القديسة أغاثاده في مملكة نابولي (قبل توحيد إيطاليا)، الكتاب بالإيطالية وعربه مكسيموف مظلوم بطريرك حلب، طبع في القدس بدير الرهبان الفرنسيسكانيين سنة 1851 ميلادية، وهو يتضمن إرشادات لرجال الدين وللقراء العاديين لتهيئة المشرفين على الرحيل إلي الأبدية نفسيا وروحيا، وعندما طلبت من الأستاذ عبد العزيز السريع، والدكتورة سعاد العتيقي مديرة المكتبة نسخة مصورة استجابا على الفور، وسنقدم جزءا من هذا الكتاب وتعريفا به، إن الكتب النادرة الموجودة ليست للعرض المتحفي، إنما متاحة للقراء وللمهتمين، كذلك محتويات المكتبة، إضافة إلى الخدمات التي تقدمها إلى المترددين عليها، المكتبة في حاجة إلى التعريف بها، وتقديم مضمونها للشعراء وجمهور الشعر في الوطن العربي والعالم، وفي أعدادنا المقبلة سنقدم ملفا كاملا عنها، إنها إحدى ثمار مؤسسة عبد العزيز البابطين للشعر، ونموذج لما يمكن أن يقدمه رجل أعمال مثقف ومستنير وحريص على خدمة الثقافة، ومثل عبد العزيز البابطين الكثير الآن في الوطن العربي، لكن مازال أثرياء مصر الجدد بعيدين تماما عن خدمة الثقافة. ولا يعني وجود مبادرات قليلة جديدة وشحيحة أن وجودهم في هذا المجال يماثل وجود أمثالهم في الوطن العربي. *عن «أخبار الأدب»