ألا يجد الإنسان قبرا بعد مماته هي مشكلة لا تعنيه بقدرما تضع أهله وذويه في موضع حرج، يرغمهم على الدخول في مفاوضات شاقة مع حفاري القبور الذين لجؤوا بدورهم إلى مقر عمالة سلا، هربا من سخط المواكب المرافقة للجنائز التي تنزع عنها لوعة الفراق وتستبدله بالغضب بعد أن تصدمها عبارة: «المقبرة مملوءة يرجى البحث في مكان آخر». ورغم أن الحفارين عمدوا إلى نقل آفة العشوائية من المباني إلى القبور، حيث يجد البعض ذويهم الأموات وقد تم وضع رؤوسهم بمحاذاة الرصيف بدون خوذ واقية! غير أن الغريب في أزمة المقابر أنها ساوت بين فقراء المدينة وأعيانها، حيث اضطر أحد الأعيان إلى استنفار جميع معارفه واستخدام هاتفه بطريقة مرهقة قبل أن يتمكن بصعوبة من تدبير حفرة لأحد أقاربه، وهو ما يعني أن المواطنين العاديين، في ظل استمرار هذه الأزمة، سيرتكبون خطأ جسيما في حق عائلاتهم إذا تجرأ أحدهم على الموت، مما قد يدفع العائلات إما إلى الاحتفاظ بالجثمان في الثلاجة ريثما تنفرج الأزمة، أو إحراقه ونثر رماده بمحاذاة ضريح سيدي بنعاشر تشبها بالطقوس الهندية. أزمة المقابر في مدينة سلا تعود إلى عشر سنوات خلت، وتم تنويمها واحتواؤها بإزعاج الموتى القدامى وإفراغهم من قبورهم بالقوة، لإفساح المجال أمام الأموات الوافدين، غير أن هذا الحل استهلك نفسه وأساء كثيرا إلى مقابر المدينة، خاصة مقبرة باب معلقة التي تحولت إلى مدفن عشوائي يبعث على الحسرة حين يقارن المرء بينه وبين مدافن النصارى واليهود. وكان مجلس مدينة سلا قد ناقش مشكلة المقابر خلال دورة أكتوبر المنصرم لأكثر من ساعتين، وهي الدورة التي تهكم فيها بعض المستشارين على المجلس بسبب عجزه عن إيجاد حل للأموات على قلتهم، فبالأحرى تدبير شؤون مليون سلاوي. في حين طالب البعض، وبجرعة زائدة من السخرية، بإنشاء مقابر بطبقات مثل العمارات، أو تحنيط الأموات والاحتفاظ بهم. وفي الوقت الذي تعتبر فيه وزارة الأوقاف نفسها غير معنية بهذا الملف، مثلها في ذلك مثل عمالة سلا، فإن الجماعة السلالية ببوقنادل لازالت مصرة على رفض الثمن الذي اقترحه مجلس المدينة مقابل نزع ملكية أرض مساحتها أربعة هكتارات من المقرر أن تحدث فوقها المقبرة الجديدةلسلا، بعدما اعتبرت أن التعويض المقترح والمحدد في 35 درهما للمتر هو محاولة للضحك على الذقون، رغم أن هناك من يرى أن الرفض يستمد قوته من وجود شخصية نافذة بالمدينة متضررة من قرار نزع الملكية. مبلغ 35 درهما وعدم القدرة على تدبير حل عاجل للمقبلين على الموت، بررهما عمدة مدينة سلا في اجتماع للمجلس بعدم وجود غلاف مالي، رغم فائض الميزانية الذي تجاوز سبعة ملايير، وكذا عشرات الملايير التي لازالت ترقد برحم مشروع التأهيل في انتظار ولادة قيصرية تجعله يخرج إلى النور.