لعل متابعة جريدة «المساء» من طرف قاض أو قضاة، هي ثاني قضية في تاريخ الصحافة المغربية لما بعد الاستقلال، تتواجه فيها الصحافة مع القضاء، فقد سبق، في السبعينات، أن رفع قضاة فاس دعوى ضد جريدة الأسبوع الصحفي، في موضوع سابق للدكتور البلعوشي، الذي كان يواجه جبروت عائلة فاسية، حرمته من رؤية ولده لست سنوات، وكان القضاء –طبعا- يساند العائلة التي كانت مقربة من القصر الملكي بحكم أن رئيسها كان مقاولا كبيرا يبني القصور الملكية، وفعلا رفعت القضية أمام محكمة الرباط، إلا أن دفاع الأسبوع طعن في أسلوب رفع القضية، لأن الفصل الواحد والسبعين من قانون الصحافة يمنع القضاة من أن يرفعوا شكاوى ضد الصحف إلا إذا اجتمعت هيئة قضاة المنطقة وعقدوا جلسة موسعة، وأصدروا حكما بمتابعة الجريدة، وفعلا رفضت المحكمة الدعوى، وأصبحت الهيئة القضائية الفاسية مرغمة على عقد جلسة، وحكم على الأسبوع وعلى مديرها بالسجن أربعة شهور، لولا أن صحفيا فرنسيا في جريدة لونوفيل أوبسرفاتور استغرب هذا الظلم الصادر، وقرأ الملك الحسن الثاني هذا التعليق فأصدر أمره بإلغاء الحكم وإرجاع الولد إلى أبيه. أنا لا أعتقد أنه من حقنا أن ننجر نحو تحميل القضاة مسؤولية هذه الحالة المتردية للعلاقة بين الصحافة والقضاة، وأقول الصحافة لأن «المساء» ليست أول جريدة يحكم عليها بذعيرة خارج المنطق، فقد هاجر الصحفي المغربي أبو بكر الجامعي ولجأ إلى الخارج هروبا من الحكم الذي صدر على أسبوعيته بثلاثمائة مليون، لفائدة أجنبي تأكد، فيما بعد، أنه على صلات بالأجهزة، وسيكون الخطر الداهم هو أن يصدر قاض حكما ذا خلفيات من قبيل التضامن مع الزملاء، أو الثأر لهم، أو من قبيل علاقة القاضي بالمشتكي، أو بصديق أو شريك للمشتكي. فلا أظن أن قاضيا يعرف المغرب جيدا، ويعرف أنه البلد الوحيد في العالم، حيث لا يدوم حال على حال، يصدر حكما على المستوى الابتدائي كما حصل ل«المساء»، أو على المستوى الاستئنافي، حيث يوجد قاض آخر مكلف بمضاعفة الأحكام التي تصدر عن المحكمة الابتدائية في حق الصحف. وكل ما أخشاه، أن يكون الأمر متعلقا بالشجرة التي تحجب الغابة، وأن الأمر يتعلق بصراع خفي، بين واقع ترى فيه ممارسة الديمقراطية الحقة ضامنا للاستمرار، وبين قوة خفية تحرك كل شيء، وتكمن خلف كل شيء، ربما تريد الهيمنة دون أن تستطيع التغلب على عجزها، ويزعجها تواجد صحف تتجاوب مع الرأي العام، ويتجاوب معها، فتمارس انتقامها عبر الخطر الجديد الذي يهدد الواقع السياسي والديمقراطي والصحفي، وعبر التعنتات وإصدار التعليمات بالتلفون لا لمصلحة الاستقرار والأمن، وإنما لتصفية الحسابات. ربما نقول لا تظلموا القضاة، رغم أن وكيل الملك مثلا في مرافعة قضية الأسبوع مع الإسباني صاحب شركة الصابو، كان تدخله في محكمة الاستئناف غير مفهوم، لأن النيابة لم تكن طرفا في المرحلة الابتدائية ولا استأنفت الحكم، ولكن الذي حرك وكيل الملك ليتدخل ويِؤيد الموقف الإسباني (...) هو الذي يعطينا الجواب عن الحقيقة الضائعة. بطلب من جريدة «المساء» خصنا مصطفى العلوي بهذا المقال