«مولود يا مولود مولود النبي...لا لا فاطمة بنت النبي». إنها واحدة من العبارات التي يرددها الأطفال بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، ترافقهن زغاريد النساء إعلانا منهن باحتفال جماعي يقدمن خلاله الطعام للرجال والنساء، ويشعلن الشموع بعد تزيين أياديهن بنقوش الحناء ورائحة البخور والجاوي الذي يعطرن به البيوت، أما الرجال فتصدح أصواتهم بآيات قرآنية في البيوت أو الزاويا. تبدي الأسر المغربية اهتماما كبيرا باحتفالات المولد النبوي الشريف، حيث تستيقظ الأمهات مبكرا لطهي «العصيدة»، وهي وجبة يحبها الصغار، تصنع من السميد المسقي بالسمن والعسل لتحلية هذه الوجبة، وسبب تحضير هذه الوجبة تحديدا هو أن بعض الناس يدعون أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يحبها ويأكلها. إضافة إلى أكل «العصيدة» يعتبر الاستماع إلى «الطلبة» وزيارة الأضرحة، و«هياكل الشموع» من أهم عادات الشعب المغربي للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، إذ تشهد الأضرحة والزوايا نشاطا متميزا ومكثفا في هذا اليوم تحديدا، حيث يمكن اعتبار هذا اليوم عيدا للزوايا، والطوائف الصوفية، ويتكرر ذلك في كل المدن، وفي الأضرحة (الأولياء) في فاسومكناس وتطوان ومراكش وسائر المدن المغربية الكبرى والصغرى عامة. كما تقام أمسيات يدعى إلى حضورها الأقارب والأصدقاء للاستماع إلى القراء «الطلبة» وهم يرتلون آيات القرآن الكريم ترتيلا جماعيا، ويؤدون الأمداح النبوية. وبعدها يأتي وقت تناول وجبة العشاء التي تكون في الغالب عبارة عن أطباق الكسكس المغربي التقليدي، وشرب الشاي المنعنع، ثم الدعاء لرب المنزل صاحب المأدبة ولسائر المسلمين. هياكل الشموع في مدينة سلا تنفرد مدينة «سلا» باحتفالات طريفة، حيث يقوم الصناع التقليديون للشموع في منزل عميدهم بإعداد هياكل الشموع في شكل فوانيس ضخمة، وتزيينها وزخرفتها بأزهار وألوان وأشكال هندسية مستوحاة من الفن الإسلامي الأصيل، ويحملها مريدو الزاوية ويطوفون بها شوارع وأزقة مدينة سلا على أنغام ومعزوفات تقليدية حتى يصلوا إلى مقر الزاوية التي يوجد بها ضريح «سيدي عبد الله بن حسون»، ثم توضع هذه الهياكل وتتلى الأمداح النبوية، ويقدم الطعام للمريدين والزوار، وتستمر الاحتفالات أسبوعا بأكمله. أما في المدن الكبرى التي تؤوي أضرحة «كبار الأولياء» مثل مكناس التي يوجد بها ضريح «سيدي محمد بن عيسى» مؤسس الطائفة العيساوية بالمغرب، والمحاط بهالة الإجلال والألقاب «كالشيخ الكامل» و«الهادي بن عيسى»، فيجتمع رواد الطائفة العيساوية بأعداد غفيرة جدا وتقام الرقصات و(الجدبة) حتى ذروة الانتشاء. وتبدأ الجلسات بالذكر المجرد، تتناوب خلالها الموسيقى والأغاني مع إلقاء القصائد في تمجيد الله (عز وجل) ورسوله (صلى الله عليه وسلم)، ثم يأتي الرقص على إيقاع بطيء تتسارع وتيرته تدريجيا، إلى أن ينهك الأتباع جراء الحركات الدائرية والقفز العنيف المتواتر، وبعدها تأتي حلقات الذر والأمداح النبوية.