تأبى «ميلودي أفلام» و«روتانا سينما»، وغيرها من الفضائيات، إلا أن تدفعنا، بين الوقت والآخر، إلى وضع المقارنات بين «أفلامنا» المغربية وأفلام المصريين، سواء تلك التي صورت بالأبيض والأسود أو تلك التي تابعت طريق الإبداع الجميل بالألوان والمخرجين المتميزين والممثلين المتألقين. في بحر الأسبوع الفائت، شاهدتُ مجموعة من الأفلام المصرية، التي شدتني إليها بمواضيعها وقيمتها الفنية. أفلامٌ تألّق فيها الرائع الراحل أحمد زكي، والنجم المتألق نور الشريف. الأول، تابعته في فيلم «أيام السادات» (رغم بعض الانتقادات التي تعرض لها الفيلم، والتي تقول إن المحافظة على جلال شخصية السادات جعلت الفيلم يجنح إلى تبرير كل أفعاله، ما خفي منها وما ظهر)، بعدَ أن كنتُ شاهدتُه في «ناصر 56»، أما الثاني فتابعته في فيلم «إلْحَقُونَا». نحتفظ لأنفسنا بأقوى اللحظات التي ميزت فيلم «إلْحَقُونَا»، تاركين المصريين لخلافهم بصدد مشروع قانون يبيح نقل الأعضاء، لنتابع فيلم «مرجان أحمد مرجان»، آخر الأفلام التي تألق فيها النجم عادل إمام. جاء الفيلم وفياً لمضمون الأفلام الأخيرة التي شارك فيها «الزعيم»، من قبيل «السفارة في العمارة» و«عمارة يعقوبيان»، متناولاً، في قالب كوميدي ساخر، بعض مشاكل المجتمع المصري والعربي، المرتبطة بالتعليم والشباب والانتخابات والرشوة والرياضة والثقافة. ويؤدي عادل إمام، في الفيلم، دور الشخصية المحورية، مرجان أحمد مرجان، رجل الأعمال الناجح، الذي يكبر في داخله مركب نقص بسبب عدم إكمال تعليمه. ولتدارك الأمر، يتكئ على ماله ونفوذه، ف«يشتري» كل من يقف في طريقه إرضاءً لنزواته ورغباته. في البداية، سيشتري رئيس لجنة التحقيق، التي جاءت لمراجعة دفاتر وحسابات شركاته. وفي سبيل الفوز بمقعد في «مجلس الشعب»، سينزل بنفوذه وماله لينال مراده، بعد منافسة مع الأستاذة الجامعية جيهان مراد (ميرفت أمين). كما سيشترى دخوله إلى الجامعة لاستكمال تعليمه، رغم أنه لا يتوفر على الشهادة التي تخول له ذلك. ولأن المال يشق الطريق في البحر، كما يقول المغاربة بلسانهم الدارج، فإن مرجان سيشتري حتى خطيب الدكتورة ليبعده عنها، لكي يخلو له «الميدان» فيفوز بها، كما سيصبح، وهو «طالب» بالجامعة، عضواً في فريق كرة القدم، حيث سيعمد إلى «شراء» حكم مقابلة نهائية تخول لفريقه الفوز بكأس البطولة، كما سيستعمل أمواله ليحول طالباً من التشدد إلى التحرر والانفتاح و«حداثة» اللباس والرأي. ولعل أجمل لحظات الفيلم هي تلك التي أراد فيها البطل أن يصبح مثقفاً وشاعراً، حتى يتقرب أكثر من الدكتورة جيهان، ولذلك، قال لمساعده: «عايز أعمل حاجة ثقافية. عايز أصير مثقف أو شاعر، وأكتب قصص وروايات»! وكان له ما أراد، بعد أن اشترى قصائد «شاعر»، يتغنى ب«حلزون وحلزونة اتْقابْلوا في خُرم الأوزون ...»، جمعها ونشرها في ديوان، أعطاه توقيعه وعنوان «أبيع نفسي»، حاز به جائزة المجلس الأعلى للشعر والآداب في مصر، وهي الجائزة التي مكنته من أن يصبح «أحسن شاعر في مصر»! وحتى يكمل «شاعرنا» دائرة المال حول رقبة الثقافة، «اشترى» ناقداً، فجعله يعدّل من بوصلة انتقاداته ليمدحه. ناقدٌ جاءت به الدكتورة جيهان لكي يفضح «شاعرنا» المقاول أمام طلبة الجامعة، لكنه سيعدل من حكمه الأول على الديوان، وهو حكمٌ تحول إلى النقيض، بعد أن قبل هدية «الشاعر» مرجان ووضعها في معصمه «حلاوة للديوان»، من «كارثة بكل المقاييس اللغوية والشعرية» و«المهزلة» و«العبث»، إلى مديح في حق «شاعر استطاع أن يكسر كل تقاليد الشعر وأن يقفز على كل الحواجز وأن ينطلق بخياله بعيداً، مُحلقاً في عوالم أخرى صنعها بنفسه»! نقدٌ «حُلْوٌ» لم يمنع «شاعرنا» من أن يتحول إلى أضحوكة بين الطلبة، حين سيقرأ عليهم قصيدة «الحلزونة». وحتى نعود إلى أرض المغرب، كنتُ قرأت قبلَ أيام، في إحدى اليوميات المغربية، كلاماً لأحد المخرجين المغاربة، قال فيه: «ليس لدي حرجٌ في إخراج فيلم بورنوغرافي» .. (... إيوَا .. طفّرناه!). وهكذا، ففي الوقت الذي تناول المصريون في أفلامهم عيوب مجتمعهم، نجد أن بعض مخرجينا «الحداثيين جداً» انشغلوا عن الإخراج ب«الخْروج للعيب» .