لم يكن الإطار الشاب عمر البحراوي يعرف أن لعنة أقوى وزير داخلية في عهد الملك الراحل الحسن الثاني ستظل تلاحقه حتى بعد وفاة الوزير صاحب اللعنة. فذات مرة سيكتشف البحراوي أن إدريس البصري سيختاره من بين ثلاثة مرشحين سيقدمهم للملك الحسن الثاني ليختار من بينهم من يصلح لمنصب مدير الجماعات المحلية في وزارة الداخلية. كان البصري يهدف من وراء اقتراحه إلى أن تشمل لائحة المرشحين لتولى مركز قيادي داخل أم الوزارات عينات من الأطر المخضرمة تجمع ما بين أبناء البادية وأولاد الأعيان، وكان اسم البحراوي في آخر لائحة المرشحين للمنصب، مما يعني أن حظوظه عند البصري كانت قليلة، ووجوده على اللائحة كان شكليا ليس إلا ! لكن ما إن وقع بصر الملك الراحل على اسم البحراوي حتى تذكر اسم والده إدريس البحراوي، الملاك والفلاح والإقطاعي الذي كانت ذات يوم ثروته تفوق بكثير ثروة الأسرة الملكية. فعندما عادت الأسرة الملكية من المنفى في منتصف الخمسينات من القرن الماضي سيتبرع إدريس البحراوي لها بسيارة كان امتلاكها أنداك علامة على الثروة والغنى. لم ينس الملك الحسن الثاني جميل آل البحراوي، وعندما وقع بصره على اسم عمر البحراوي ضمن لائحة المرشحين اختاره ليشغل المنصب المقترح مع لمسة وفاء ورد للجميل من الحسن الثاني تمثلت في الأمر بصرف سيارة خاصة للمسؤول الجديد بوزارة الداخلية من حظيرة سيارات القصر الملكي، وهو ما سيغيظ قلب إدريس البصري على مرشحه الذي لم يفز فقط بالمنصب الذي كان البصري يريد أن يكون فقط أحد أرانب السباق إليه، وإنما حظي بعطف الملك الذي منحه امتياز التنقل في سيارة تابعة للقصر الملكي. ومنذ ذلك التاريخ استحكم الخلاف بين الرجلين، رغم أن الصورة من الخارج كانت تعكس شيئا آخر هو النقيض لما كان يعتمل في الدواخل، فقد ظل الانطباع السائد وإلى يومنا هذا أن عمر البحراوي ما هو إلا صنيعة إدريس البصري. لكن لمن لا يعرف الرجل، فعمر البحراوي هو وريث إدريس البحراوي، درس العلوم الاقتصادية بالرباط، واشتغل لسنوات في وزارة الاقتصاد حتى أصبح من بين ألمع أطرها، وهو ما جعل اختيار البصري يقع عليه ليرشحه لمنصب مدير الجماعات المحلية، وهو المنصب الذي ظل البحراوي يشغله لسنوات حتى قرر الدخول في تجربة تسيير المجالس المنتخبة لينتقل من موقع المراقب لمسيري الجماعات إلى موقع المسير المراقب، وقد خلق له ترشحه وفوزه في الانتخابات ليصبح رئيسا لمقاطعة اليوسفية صراعا مفتوحا مع الاتحاديين الذين انتقدوا أنذاك جمعه ما بين منصبه كمسؤول بوزارة الداخلية ومهامه كرئيس لمجلس منتخب، وهو الصراع الذي مازال على أشده حتى اليوم ما بين عمر البحراوي العمدة ومعارضة اتحادية قوية. ورغم ذلك فقد استطاع البحراوي أن يبقى متربعا على رئاسة مجلس اليوسفية لأربع ولايات متتالية وهو ما أهله لانتزاع عمودية المدينة. لكن طموح الرجل كان هو الوصول إلى الوزارة، وعندما أيقن أن أقرب الطرق إليها هو ركوب موجة أحد الأحزاب بعد أن دخل المغرب تجربة التناوب التوافقي، التحق البحراوي بحزب «الحركة الشعبية» وباسمه دخل إلى البرلمان مرتين، لكن في كل مرة كان يقترح فيها اسمه ضمن لائحة الحزب المرشحة للوزارة، كانت تطل عليه لعنة البصري التي ظلت تلاحقه حتى بعد أن ووري جثمان الرجل الثرى ظهر ذات يوم غير بعيد. فبالنسبة إلى كثير من أهل الحل والعقد فالبحراوي كان رجل البصري وبالتالي فعودته ستذكر الناس بماض يستعصي عن الدفن. لقد كتب على البحراوي أن يحمل لعنة البصري عندما كان يغبطه على الحظوة التي لقيها اسم عائلته عند الملك الحسن الثاني، وسيظل يلاحقه كرمز لعهد يحاول الكل اليوم أن يقدم رجاله قربانا لتحول غير ممكن.